تحولات الاستثمار ودور القطاع الخاص (1-2)

 

يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

الاستثمار -بشقية المحلي والأجنبي- هو وقود عملية التنمية، والمكون الأهم في معادلة احتساب الناتج المحلي الإجمالي، لما يعرف بالمضاعف الاستثماري. سأركِّز الحديث عن جزئية محددة تتعلق باجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السلطنة لأهميته وما يحمله من عناصر مفقودة في معادلة التنمية المحلية من رؤوس أموال ومعرفة وخبرات وفتح الأسواق العالمية، وهي العناصر الضرورية لتكبير حجم السوق والاقتصاد العماني وزيادة حجم الصادرات ليحقق النقلة النوعية، ويتمكن من خلق فرص العمل والأعمال.

ولا شك أنَّ السلطنة كغيرها من الدول النفطية على مفترق طرق مهم بين الاستدامة والازدهار، بعيدا عن القطاع النفطي أو استمرار معاناتها بسبب مخاطر الاعتماد على مصدر وحيد للإيرادات والنمو. ويتفق الكثير على أن السلطنة تمتلك إمكانيات وفرصا وموارد ومكامن قوة متعددة تُمكنها من التقدم بثقة نحو رؤيتها لتكون في مصاف الدول المتقدمة، والتي لها اشتراطات وأدوار محددة للقطاعات المختلفة العام والخاص والأهلي والخارجي. ومن المهم أن نعي جميعاً أنَّ للقطاع العام دورا محددا في الإدارة والتشريع واستقرار السياسات العامة وحفظ الحقوق والشفافية وتهيئة بيئة الأعمال وإعداد قوالب وفرص استثمارية واضحة المعالم وفق خارطة استثمارية وطنية متكاملة تراعي المزايا النسبية في مختلف ربوع هذا الوطن. وارتسمت رؤية "عمان 2040" دور القطاع العام في إيجاد بيئة قادرة على جذب الأفكار والمشاريع من كل أنحاء العالم وفي مختلف القطاعات، والذي أعتبرته حجر الأساس لبناء اقتصاد قوي ومستدام وتنافسي قادر على الصمود في رياح المتغيرات المتسارعة. في حين تتولى القطاعات الأخرى -وعلى رأسها شركات القطاع الخاص- عمليات الاستثمار والإنتاج والتصدير... وغيرها. ولا شك أنَّ الخلط بين المسارين له عواقب غير محمودة ونتائج مختلطة شهدناها خلال العقود المنصرمة، وقد فوتت علينا الكثير من الفرص وضيقت من هوامش ومقاربات الإصلاح الاقتصادي المنشود.

وعودة إلى مسار الترويج وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن السلطنة بحاجة لتغيير جوهري في الأطر التقليدية المعمول بها في هذا الشأن، وضرورة تكامل أدوار الحكومة مع شركات القطاع الخاص في مساعي جذب الاستثمار الأجنبي والدخول في شراكات إستراتيجية. وذلك للعديد من الأسباب؛ من بينها: أن القطاع الخاص يمتلك معرفة أكبر -مقارنة بالقطاع العام- بتفاصيل الأعمال وإبرام الصفقات وإدارة مراحل الاستثمار المختلفة بدءًا من استكشاف الفرص والمفاضلة بين البدائل والتكاليف المرتبطة وتحقق الاستثمار على أرض الواقع. إلى جانب ذلك، فإنَّ البدائل المتاحة للمتابعة والمساحات ضيقة للحكومة وتتحرج الحكومات من التعمق في التفاوض مع المستثمرين الأجانب والتواصل معهم خارج الإطار الرسمي لتجنب المساءلة والالتزام. ويُستثنى من ذلك المشاريع الإستراتيجية العملاقة التي تتطلب ترتيبات وحزمَ حوافز خاصة وتسهيلات يقودها عادة قمة هرم السلطة. وفي حين يجب أن يكون دور القطاع العام بجميع أجهزته محفزا وميسرا للاستثمار في ظل المعايير المثلى للشفافية والمنافسة والعدالة لجميع ذوي العلاقة، وتذليل الصعوبات أمام الاستثمارات القائمة والسعي لتوسيعها وتعزيزها، ودعم وتمكين الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية، ويلعب القطاع الخاص ورجالاته وشركاته الدور الأهم، وهُم الأقدر على جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال شبكة علاقاتهم الشخصية والتجارية مع نظرائهم وشركائهم في الدول المختلفة، والتي حققت أهم عناصر جذب الاستثمار؛ وهو: الثقة المتبادلة، وقدرة رجال الأعمال العمانيين على توضيح الفرص الاستثمارية، وما يرتبط بها من تكاليف ومخاطر، وكيف يمكن التعامل معها وإدراة وتعزيز رحلة الاستثمار بمنعطفاتها وتحدياتها المختلفة.

وهنا.. من المهم الإشارة إلى أنَّ شركات القطاع الخاص العماني كالحكومة تتعرض لنفس الضغوطات، والحاجة الملحة لتغيير آلياتها التقليدية المرتبطة بالنموذج النفطي الريعي، بالاعتماد على الإنفاق والمشاريع الحكومية والاستيراد والعمالة الوافدة متدنية المهارة، وعلى الطلب المحلي إلى نموذج ورؤية جديدة؛ أبرز مفرداتها: الإنتاج المحلي للسلع والخدمات وفتح الأسواق لتصدير واستهداف الطلب العالمي ورفع الكفاءة، وتحتاج في كل ذلك إلى الدخول في شراكات إستراتيجية مدروسة... وللحديث بقية، غدًا.