الوجه الظاهر لقمر العولمة

سالم الكثيري

عندما كُنَّا على مقاعد الدراسة في بداية الألفية، فاز زميلنا الطالب -وقتذاك- هلال البادي بالمركز الأول في المسابقة الثقافية التي تُنظِّمها جامعة السلطان قابوس سنويًّا مع جامعة الإمارات، عن فئة المقال الصحفي؛ حيث سحب المقال الذي حمل عنوان "الوجه المختفي لقمر العولمة" البساط من بين كل المقالات المشاركة، وقد أشار فيه الطالب/الكاتب -بحسب ما تُسعفني الذاكرة- إلى أنَّ ما يظهر لنا من وجه حسن لمفهوم العولمة ليس إلا ضوء وهمي، لا يلبث أن يختفي ليظهر الوجه الحقيقي البشع.

وأتى المقال بعد أنْ عقدت الجامعة في تلك الآونة مؤتمر "العولمة والخصوصية الثقافية"، دعت إليه مختصين وأساتذة جامعات من مختلف أقطار الوطن العربي، وقدمت فيه أوراق عمل تباينت في الطرح ما بين مؤيد ورافض لهذا التوجه العالمي الجديد. ومضت الأيام والأعوام، وعصفت بالعالم أحداث جسام بداية بأحداث 11 سبتمبر، مرورا بحرب أفغانستان، فاحتلال العراق، وصولا إلى الربيع العربي، وأخيرا حرب الفيروسات التي نعيشها منذ أكثر من سنة، مع انتشار وباء كورونا الذي قلب حياة الناس رأسًا على عقب.

ومع كل حدث من هذه الأحداث، يتضح لنا جليًّا، وبما لا يدع مجالًا للشك، أنَّ دعوات العولمة التي تقودها القوى العظمى ليست بريئة كما يروج لها دعاتها، إنما هي في حقيقتها دعوات تحقيق منفعة ومصالح هذه القوى المهيمنة؛ وذلك من خلال جعل العالم كله سوقا مفتوحة للكم الهائل الذي تنتجه هذه القوى. وكلما استمالت قوة عالمية ما دولة ما، وعدتها بوعود براقة، إذا دعت الحاجة مع العلم وبالدليل القاطع أنَّ هذه الوعود لا تأتي في معظم الأحيان.

إنَّ ما يحدث الآن من صراع بدائي مقيت للحصول على لقاح كورونا، لهو مثال صارخ على أنَّ قمر العولمة القبيح بات أكثر وضوحا أكثر من أي وقت مضي؛ فما رأيناه في بداية الجائحة من موت لمشاعر الاتحاد الأوروبي تجاه إيطاليا، حيث تركها تواجه قدرها المحتوم دون تقديم أية مساعدات، إلى أن تدخلت الصين بإرسال طواقمها الطبية وأدويتها من أقصى الشرق في مشهد إنساني قد لا يتكرر في نظر الكثير منا. إن ما رأيناه على شاشة التلفاز من مساعدات صينية لإيطاليا ليس إلا الجزء الظاهر من الحقيقة أو من قمر العولمة -إن شئت- أما الجزء المختفي فإنَّ الصين لم تهب هكذا هبة المنقذ الإنساني دون أي مقابل، لكنها أتت لأن بينها وبين إيطاليا اتفاقيات اقتصادية وتجارية ضخمة؛ حيث تعدُّ إيطاليا الدولة الأوروبية الأولى -إن لم تكن الوحيدة- التي فتحت للصين موانئها، فيما يعرف بمشروع طريق الحرير الجديد، الذي تسعى من خلاله الصين للسيطرة الاقتصادية على العالم ككل، وهذا قد يكون السبب الخفي لاكتفاء الاتحاد الأوروبي بالوقوف موقف المشاهد لإحدى دوله الأعضاء تصارع الموت بكل برود. ثم إنَّ الأمثلة المتواترة في القنوات الفضائية والصحف، وغيرها من وسائل الإعلام، من صراع على تحصيل اللقاح بين القوى المهيمنة، دونما أي اعتبارات إنسانية للعالم الآخر من الدول النامية والفقيرة في الحصول على نسبة معقولة من اللقاح، لم تعد تخفى على أحد. فتارة نسمع عن توقيف طائرة محملة باللقاحات في المطار الفلاني ومحاولة تفريغ حمولتها من اللقاحات بالقوة، وتارة البلد الفلاني يمتنع عن تقديم أية مساعدات للبلد الآخر، كل هذا وغيره من الصراع غير الحضاري يحصل بين الكبار. أما الصغار، فليس لهم إلا الفرجة، وكم هي مقيتة فُرجة العاجز هذه!!!

وخلاصة الحديث.. أنَّ الدول بمعناها الصرف لا تحمل أية مشاعر إنسانية، ولا تقوم إلا على مواطن قوة كالنفوذ المالي والاقتصادي والعلمي والعسكري..وغيره، وهذه المقومات هي التي تضمن لها الاستمرارية والهيمنة. وما عدا ذلك، فإنها ستكون دولا ضعيفة، وسيكون مواطنوها وساكنوها فريسة للوحوش الكاسرة والفيروسات الفتاكة. لذا؛ على كل من ترك نفسه تحت رحمة هذين الوحشين ألا يستمتع كثيرا طيلة الليل بجمال القمر، وعليه أن يأخذ من دروس الحياة عبر "أنْ الوجه الآخر لقمر العولمة لم يعد مختفيا، بل بات ظاهرا عيانا بيانا، وهو أكثر قُبحا من ألف ألف كورونا".