المعنويات والحماس.. وكورونا!

حمد بن سالم العلوي

بدايةً.. نوجِّه الشُّكر والتقدير إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله وأبقاه- وذلك لاهتمام مقامه السامي بشأن الوطن، ومَنْ تواجد على أرضه دونما تمييز لجنس أو معتقد، وهي نظرة إنسانية رائعة، لا يُجيدها كل البشر، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمرُّ بها البلاد، وإنَّ جائحة كورونا كانت واحدة من جوائح كثيرة تتعرَّض لها بلادنا على وجه الخصوص دون كل دول العالم، والتي تشاركنا في كورونا، ولكنَّ حكمة جلالته روَّضت الكثير منها، وإن كانت جائحة كورونا أصعبها وأخطرها على الإنسان والاقتصاد، ولكن بإذن لله سينتصر عليها حكيم هذه الأمة.

إذن، نحيِّي اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، والتي أتى تشكيلها بأمرٍ سامٍ من لدن سيدنا عاهل البلاد المفدى، وذلك لكي تعالج مهمة من أصعب وأخطر وأطول المهام قاطبة تعرَّضت لها البلاد، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أنْ نتقدَّم لها بخالص الشكر والتقدير، على ما بذلت من جهود كبيرة، وما أتمَّت وأنجزت من مهام، وما أصدرتْ من قرارات حاسمة وحكيمة وصائبة، فلقد أتممنا في الصراع المرير مع كورونا المخيفة والعنيدة سنةً بالتمام والكمال، ولكن ما زالت المعركة مستمرة حتى الانتصار على كورونا -بإذن لله وتوفيقه.

ونحن هنا لسنا بصدد تقييم إنجازات اللجنة العليا وهي -بلا شك- كثيرة، ويكفي أنها في انعقاد مستمر منذ شهر مارس من العام الماضي، وتتحمل مسؤولية وطن وشعب وصحة واقتصاد، وأمور اجتماعية أخرى كثيرة، وإلى اليوم والغد وحتى يأمر الله برفع هذا البلاء عن الأمة والعالم أجمع، ولكن لنا رجاء وأمل مع اللجنة الموقرة؛ ونحن نعلم سِعة صدرها لرأي الناس، وبما يحقق المصلحة العامة، ولا يخل بالضوابط الوقائية، أو اشتراطات السلامة العامة؛ فهناك ملاحظات بسيطة تخدم ولا تضر، فعلى سبيل المثال:

ألا يتطابق توقيت إغلاق المحلات التجارية ووقف حركة المرور؛ فالذي يخرج من المحل التجاري بعد صراع مع الزحمة والإرباك، فإنه يحتاج إلى وقت حتى يصل إلى المنزل، وهو هنا لا يشكل خطراً على أحد بالعدوى، لأنه ينتقل في سيارة مغلقة النوافذ فلا ضرر منها.. ولا ضرر عليها، وكذلك موظفو المحلات التجارية، فإنهم يحتاجون إلى وقت إضافي لإغلاق الحسابات، وإعادة ترتيب المواد في أماكنها، أو تعويضها وتأهيلها لليوم التالي، وكذلك تنظيف المتجر؛ إذن وقف البيع والشراء يختلف عن وقف حركة المرور، وإن وقف الحركة على الشوارع، يجب أن يعقب ذلك بساعتين على أقل تقدير، وهنا سننهي شيئًا من الإرباك الذي كان سببه التوقف الفوري للجميع في وقت واحد.

كما أنَّ هناك أمورًا أخرى وتوقيتات تحتاج إلى إعادة نظر، مع مراعاة حجم المخاطر منها، وأمور قد يُغضّ الطرف عنها لضعف مخاطرها؛ وذلك مثل الاسترزاق اليومي بالنسبة لبعض الأعمال، والتي تعدُّ المصدر الوحيد لرزق الفرد من المواطنين، أو ينشأ صندوق دعم عاجل لهم، يوفِّر لقمة العيش للمتضررين بعد تقصِّي ودراسة مستعجلة لأوضاعهم المادية، وكذلك زيادة فُسحة الفتح والحركة في شهر رمضان المبارك، فالناس للتو تكون قد انتهت من الإفطار وصلوات العشائين حتى يتفاجؤوا بالإغلاق عند الساعة التاسعة، فلا الإنسان الذي أتى من مكان بعيد أدرك الطريق ليعود لموطنه، ولا الناس وجدت الفرصة للتسوق أو المشي اليومي، وخاصة لمرضى السكري، أما إذا كان الأمر يقصد به منع التجمعات خارج المنازل، فكل يُؤخذ بجريرته، ولا يؤخذ الكل بمخالفات البعض، وهذا البعض تظل حيله وأساليبه كثيرة للتحايل على النظام، والعاقل طبيب نفسه.

الله خلق الإنسان عجولاً وقال تعالى:"وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً" (الإسراء:11)، وقد نبَّه الخالق عباده في القرآن الكريم إلى ذلك، ومع ذلك ظل الإنسان على طبعه الذي جُبِل عليه، فلا يستقيم أمر الإنسان بتوجيه من إنسان مثله، إلا بالإقناع والفهم الصحيح، لأن في ذلك مخالفة لنواميس الحياة البشرية، إذن؛ لا يُلام الإنسان إذا ملَّ كثرة الانتظار لذهاب وباء كورونا، وإنما علينا أن ندفع بالتي هي أحسن، وأن نأخذ الناس بالمعروف والإحسان، وأنْ ندفع في نفوسهم ببعض جرعات التقوية والعزم، إذن الجرعات المعنوية والحماسية والتبصيرية، ستكون الأكثر نجاعة من القرارات والنظم والضوابط، والتي ينظر إليها الإنسان على أنها مواضيع جافة، وجامدة ولا تطيِّب الخاطر، وإن كانت في مصلحته، وأنها تخيِّره بين الحياة والموت أو العلة الدائمة، لذلك وحتى نتعايش مع جائحة كورونا بحكمة وعِلم، علينا أنْ نسلك سبلا شتَّى وليس سبيلا واحدا أو اثنين في أساليب المعالجة.

هنا.. لا أطالب باللجوء إلى وسائل الإعلام الرسمية، والتي يرى المواطن فيها جموداً كبيراً، وإنما علينا أن نلجأ إلى أساليب مشوقة ومرغِّبة، وذلك مع شيء من الذكاء والكوميديا الجاذبة، ونحن لدينا القدرة والإمكانيات بفضل جهود النوابغ من شباب عُمان المجيدين.. وهم اليوم كُثر بحمد لله، وأنتم قد تكونوا تابعتموهم في مقاطع الفيديو التي ينشرونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما عليكم إلا أن تفتحوا لهم منصة إعلامية، تزودهم بالمعلومات، وبعض ما يُدْهِن السِّير حتى يستمر في الدوران، وهم أنفسهم سيتولون الإعداد والإخراج والتنفيذ، ولكن حذارٍ أن تُحَاولوا أدلجتهم، أو ربطهم بالإعلام الرسمي المدجَّن، وإلا سيقال لكم آخر المطاف وكأنك يا أبا زيد ما غزيت!

إذن؛ علينا أن ندخل مادة التثقيف الصحي ورفع المعنويات، وحتى لو قُلتم من حمل شهادة التطعيم، ولو جرعة واحدة، سنخفِّف عليه من اشتراطات الحظر، ستجد الناس تتهافت على المراكز الصحية، ولكن عليكم أن تكونوا مستعدين للزحمة والتكدس على طوابير طلب التطعيم، فالناس ملوُّا من كثرة الصبر الذي أصبح بلا حدود، ويريدون الخلاص من هذا الوباء، ولكن يريدون من يُبصِّرهم بالسبل والطرائق المفيدة لهم، وقد تكونون لاحظتم زيادة في الإقدام على مراكز التطعيم، بعدما تطرق برنامج "سؤال أهل الذكر" للموضوع، إذن اغرسوا القناعة والفهم في نفوس وعقول الناس، وستجدون تجاوباَ رائعاً وقوياً من كافة شرائح المجتمع .. ودمنا سالمين نحن وإياكم.