نحن و"الموجة الثالثة"

حاتم الطائي

◄ "الموجة الثالثة" أشد شراسة بسبب "السلالات المتحورة".. والحذر واجب

◄ يجب استثمار علاقاتنا الطيبة مع مختلف الدول للحصول على اللقاح

◄ أي إغلاق جديد لن يكون في صالح الاقتصاد.. والحل في الالتزام والوقاية

ما زال فيروس كورونا "كوفيد 19" يؤرِّق مضاجع الناس حول العالم، ويعزل ملايين البشر إما في حجر صحي إجباري، أو عُزلة نابعة من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الحكومات؛ في محاولة لوقف التفشي السريع والمخيف لهذا الفيروس، والذي لم يكتفِ بملاحقة المصابين؛ بل أخذ يتحوَّر ويعزِّز من آلياته الهجومية على جهاز المناعة.

الآن.. نحن في عُمان -والعالم أيضًا- نمرُّ بـ"الموجة الثالثة"، أي أننا للمرة الثالثة على التوالي وفي نحو عام تقريبا نُسجل ارتفاعات قياسية للإصابات والوفيات الناجمة عن هذا الفيروس، رغم الإجراءات المتخذة منذ بدء تسجيل أول إصابة بهذا المرض. فقد مررنا بمراحل مختلفة، وتعرض كل فرد يعيش على هذا التراب العزيز، لشتى أنواع الضغوط؛ نتيجة الحالة الوبائية التي حلت علينا وعلى العالم. وهذه الموجة الثالثة ليست مثل الموجتين الأولى أو الثانية، بل تختلف اختلافا واضحا، من حيث شدة العدوى وسرعة انتشار المرض، فضلا عن تأثيرات الفيروس الخطيرة على الصحة، وهو ما يُفسر ارتفاع حالات الوفاة في هذه الموجة الثالثة، والذي يعزوه العلماء والأطباء إلى ما بات يتَّسم به الفيروس من قدرة على مهاجمة أجسامنا، بسبب السلالات المتحورة، والتي يفسرها المختصون بأنها محاولة من الفيروس لمواجهة المناعة التي قد يكتسبها جسم الإنسان، وهذا أمر طبيعي في الفيروسات التنفسية، كما يشير الأطباء.

ولمعرفة مدى خطورة هذه الموجة من التفشي، علينا أن نقرأ بإمعان الإحصاءات اليومية التي تنشرها وزارة الصحة، حول عدد حالات الإصابة والوفاة بالمرض، وكيف قفزت المعدلات مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، أو حتى خلال الموجة الثانية من التفشي التي كانت في أغسطس 2020. وهذا يُؤكد أننا أمام فيروس شرس لا يرحم، ولا يريد أن يتوقف عن تحقيق أهدافه، وإصابة أكبر عدد من الأشخاص.

نحن على المستوى الداخلي، استطعنا أنْ نتَّخذ العديد من الإجراءات التي سمحت بتقليص معدلات الإصابة بالمرض، وكذلك خفَّضت عدد حالات الوفاة؛ فالأرقام الحالية رُبما قد تكون وصلت إلى الضعف ما لم نكن التزمنا بالإجراءات الاحترازية، ودليل ذلك ما تشهده دول العالم المختلفة -التي تأخرت في فرض الإجراءات الاحترازية، وامتنعت عن الإلزام بارتداء الكمامة مثلا، أو لم تفرض قيودا على الحركة، أو لم تمنع إقامة الأنشطة الجماهيرية- نعم، أحسنتْ "اللجنة العُليا" صُنعا بأنْ اتَّخذت العديد من الإجراءات التي آتت أُكلها في مراحل سابقة، ومُؤكَّد أنها ستحقِّق النتائج المرجوة خلال الأسابيع المقبلة. ولكن في الوقت نفسه يتعيَّن علينا أن نعي جيدا أننا مقبلون على مرحلة أشد خطورة مما مررنا به من قبل، خاصة مع انتشار المتحور البريطاني من الفيروس في السلطنة، وهذا الأمر لن يتوقف على شهر أبريل وحسب، بل ربما يمتد إلى شهر مايو، ولذلك على الجميع أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، من خلال الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي بات يعلمها الصغير قبل الكبير.

وبالتوازِي مع الإجراءات الاحترازية، وما أقرته اللجنة العُليا من قرارات لإحكام السيطرة على تفشي الفيروس، ينبغي السَّير في مسار موازٍ مع ذلك، من خلال العمل بأقصى طاقة ممكنة للحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، فمن المؤسف أننا من بين الدول الأقل حصولا على اللقاح حول العالم. نعم ندرك أنَّ هناك حربَ لقاحات دائرة حول العالم، وأنَّ دولا بعينها استأثرت بنصيب الأسد من جرعات اللقاح، إما لهمينتها أو لأنها مالكة للابتكار العلمي! لكن المؤكد أيضا أن اللقاحات ليست حكرا على دولة أو اثنتين، فإلى جانب اللقاحات البريطانية والأمريكية، هناك لقاحان من روسيا، ولقاحان من الصين، وهو ما يتيح لنا خيار الحصول على جرعات من هذه اللقاحات، لا سيما وأن مبادرة "كوفاكس" لم تحقِّق حتى الآن النتائج المرجوة، وكان مخيِّباً جدا للآمال ما ذكرته تقارير عالمية بأنَّ دولا فقيرة ونامية في آسيا وإفريقيا بل وأمريكا الجنوبية، لن تكون قادرة على الوصول إلى المناعة المجتمعية -أي بتطعيم نحو 70% من السكان- إلا بعد 4 أو 5 سنوات، وهذا أمر مُحزن لهذه الدول، ويمثل عارًا على الرأسمالية العالمية، التي قرَّرت أن تحرم دولة من لقاح مضاد لمرض خطير قد يسبب الوفاة، فقط لأنها لا تملك المال الكافي لشراء اللقاح!!

لكنَّ الوضع في السلطنة مُختلف تماما، وقد صرَّح المعنيون أكثر من مرة بأنَّ عدم حصولنا على جرعات كافية من اللقاحات ليس مردُّه نقص الأموال، ولكن لإشكاليات تتعلق بالاستيراد أو بالشركات المُصنعة، رغم أن ما نحتاجه ليس بالقدر الكبير من اللقاحات، خاصة وأننا بلد تعداد سكانه لا يتجاوز 5 ملايين نسمة، كما أن العالم مُقبل على انفراجة في توافر اللقاحات؛ فالولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أنها بحلول شهر مايو المقبل ستكون قد انتهت من تحقيق المناعة المجتمعية؛ فمن المدهش أنَّ أمريكا تنجح في تطعيم 4 ملايين شخص يوميا مع توافر اللقاح في الصيدليات. وكذا الحال في بريطانيا التي تُواصل ليل نهار تطعيم شعبها، فضلا عن دول أخرى تقع في محيطنا الإقليمي. وهذا يعني ضرورة الإسراع في توفير اللقاحات، خاصة وأن منظمة الصحة العالمية أجازت كل اللقاحات المضادة لكورونا والتي صنعتها دولٌ مختلفة.

إذن؛ ما الذي نحتاجه خلال المرحلة المقبلة؟ بكل تأكيد نحتاج إلى الحصول على الكميات اللازمة من اللقاحات المضادة لكورونا، وهذا ليس بالأمر الصعب؛ فعُمان تتمتع بعلاقات صداقة قوية مع الدول المنتجة والمصنعة للقاحات، ويتعيَّن علينا توظيف إمكانياتنا الدبلوماسية، واستثمار علاقاتنا الطيبة، للحصول على ما نحتاجه من جرعات، حتى نضمن القضاء على هذا المرض، وتعود الحياة إلى طبيعتها. الأمر الثاني أن نُواصل الالتزام بالإجراءات الاحترازية، مع إبقاء الأنشطة الاقتصادية قائمة، فأي إغلاق جديد لن يكون في صالحنا، ولا في صالح خطط الإنعاش الاقتصادي؛ لذلك نرى أن تتاح للناس فترة أطول للتسوق في المراكز التجارية الكبرى، خاصة وأن ساعات الذروة في المجمعات التجارية تشهد تكدُّسا، يكفي لنشر العدوى في وقت قياسي، لا سيما وأنا مقبلون على شهر رمضان المبارك، والجميع يذهب للتسوق بعد انتهاء دوامه الرسمي، فيتجمع الآلاف في مركز تجاري واحد!!

وختامًا.. إنَّنا أمام موجة شرسة من هذا الفيروس العنيف، ولا مناص من مُواصلة جهود مجابهته، ومقاومته بكل ما أوتينا من قوة، وسلاحنا الأول اللقاح بجانب الإجراءات الاحترازية، حتى يقي الله وطننا شرور هذا الوباء، ويسمح لنا بتحقيق ما نطمح إليه من تقدُّم ورخاء ونماء.