المواطن الصالح!

د. محمد عامر العمري

نجمع الكثير من المصطلحات الجميلة والمترجمة والبراقة، لنُقحمها في حياتنا بالطيب أو بالإكراه، ويختلف كل منا في استخدام هذه المصطلحات؛ فالبعض قد يقتات عليها من أجل مكسب شخصي، فمنهم من يستفيد من بعض المصطلحات في الكسب التجاري كالندوات والمؤتمرات، التي يستفيد منها قلة وتعمم ما جاء بها من دراسات مفيدة أو غير مفيدة.

وقد قُدمت دراسات في مواضيع مختلفة كالهوية الوطنية والمواطن الصالح...وغيرها من الكلمات التي تدور في هذا الفلك، وبعض منها حشر الكثير من الأفكار التي لو نتتبعها قد تَصدُر أحكام على مواطنين لا يهتمون بمثل هذه المصطلحات؛ لأنهم في الحقيقة لا يحتاجونها لا من قريب أو من بعيد، فهي كلمات لا يهتم بها من لا يعرفونها، فتطبيقها قد يكون شكليًّا من خلال المعرفات التي أوردتها الندوات أو المؤتمرات. وهنا.. أذكر أنني حضرت ندوة ضمت العديد من المتحدثين، وكان من بينهم من يتحدَّث عن الهوية، وذكر في هذا الجانب اللبس أو الزي، وأفرد له تفاصيل كثيرة، وكان المتحدث نفسه يلبس لبسا هجينا للبس المحلي، ويتحدث عن اللبس والهوية، واعتقدَ ارتباطهما بالوطنية، وهو يخالف تفاصيل اللبس المحلي الذي يتحدث عنه.

لكننا طربنا له وصفقنا له في القاعة التي حفلت بحضور وزراء ووكلاء ومحافظين...وغيرهم من المسؤولين رفيعي المستوى، ولم يتحدث أحد عن الانفصام في هذا التصرف؛ حيث يملي علينا ويخبرنا المتحدث عن أهمية التمسك بالزي الوطني وهو لم ينتظر أن يخالف ما يذكره بعد المحاضرة. أعتقد أنَّه أراد أن يذكرنا أن الموضة مُستثناة عما يتكلم عنه في محاضرته، وأن هذه المصطلحات للاستهلاك فقط؛ فالوطنية ليست شهادة أو صكا تمنح لأحد وتنزع من آخر، فالبعض لا يهتم بهذه المصطلحات، ويمارس حقيقة أنه مواطن صالح من خلال ما يقدمه لأفراد أسرته؛ فالصَّياد البسيط والمُزارع ومُربي المواشي والصغار الذين يقومون بأعمالهم اليومية الروتينية من أجل أسرهم لا يهتمون بمن يقول بأهمية الهوية وهو يخالفها في الخفاء ويمارسها في الإعلام، أو من أجل الظهور وكسب ود المسؤولين.

كل دول العالم تنشد أنْ يُصبح مواطنوها ضمن مصطلح "المواطن الصالح"، ولكي يتحقق هذا الحلم الجميل لا بُد أن يكون هناك ما يدفع المواطن لهذا التوجه؛ فالإنسان جُبلَ على حب الخير الذي يعد عملا صالحا، وإذا استمر عليه -بلا شك- فهذا ما تتطلع له الدول وتتمناه. في المقابل، على الحكومات رعاية المواطن وتحقيق سبل العيش الكريم الذي يطمح له الكل. ولا يوجد معيار معين للعيش الكريم؛ فالاستقرار الأسري والعمل الذي يعيل الأسرة والخدمات العامة دون الحاجة لمن يساعده في التمتع بها حق أصيل، لأنه أحد أركان الوطن. فعلى الحكومات تأمين هذه المتطلبات من خلال برامجها ومن أجل مواطنيها ومستقبلها المرتبط بهم.

إنَّ أيَّ مواطن بلا عمل سيتسلل اليأس إليه، وقد يفعل ما لا تُحمد عقباه، فهو يعيش في فراغ وغالباً ما يكون مستهدفا من قبل من تسول لهم أنفسهم الانحراف عن خط سير البشر، ويلجأون لوسائل مدمرة للمجتمع، قد يُجبرون عليها لعدم توافر ما يملأ عليهم فراغهم، وكذلك ما يحقق لهم مطالبهم. لذلك؛ فالوظيفة استقرار وأمان لهم، وعلى الحكومة توفيرها أو إيجاد البدائل الحقيقية حتى يتوافر هذا المطلب. إذ لا ينبغي أن نطلب منه أن يكون صالحا ونحن لا نعينه على هذا الأمر، ولا نطلب منه أن يكون مستقرا وألا يؤذي نفسه أو غيره، دون أن نهيئ له أسباب الاستقرار.

وفي ظل الظروف الحالية التي يمرُّ بها العالم ونحن جزء منه، ظهرت الضرائب المتنوعة والتي تمثل في هذه الفترة تحديا كبيرا لكثير من أبناء الوطن؛ فمنهم من تمَّت إحالته للتقاعد وهو لم يكن مستعداً له، ومنهم من تأثر بشكل مباشر بالضرائب التي فرضت خلال الفترة الماضية، والتي سوف تفرض لاحقاً ويصاحبها ارتفاع الأسعار، وعدم استقرار مستوى الدخل الذي لم يرتفع مع زيادة الضرائب. والمواطن الذي يعتمد على راتبه لم يحصل على الترقيات الدورية، وكذلك خُصمت منهم بعض العلاوات، فانخفض الدخل لديهم، ومعظم أبناء هذا البلد يعتمدون على الرواتب.

أما من يعمل في العمل الحر، فقد تأثر بشكل واسع مع تفشي جائحة كورونا، فمعظم الشركات تأثرت بشكل كبير، وكثيرا ما نسمع عن شركات متوسطة وصغيرة كانت تحقق عائدا ماديا جيدا، لكنها بسبب الجائحة أُغلقت، وكذلك البعض من رواد الأعمال ممن باتوا ملاحقين قضائيا بسبب تراكم الديون على شركته، مع عدم وجود نشاط تجاري. الحكومة أيضا ما زالت متأخرة في وضع حزم إنقاذ حقيقية قابلة للتطبيق لهذه المؤسسات التي تعاني، وهي تعد من أعمدة -بل عصب- الاقتصاد في الدول المتقدمة.

أخيرًا.. الضرائب ليست الحل في هذه الفترة على أقل تقدير؛ وعلى المسؤولين المعنيين بتطوير الاقتصاد إيجاد حلول حقيقة ملموسة وظاهرة للجميع، نستطيع أن نقول فعلاً إنَّ هذا الحل يمكن أن يكون مجديا، ولو كان يحتاج إلى فترة من الزمن للتطبيق.

تعليق عبر الفيس بوك