مثنى وثلاث ورُباع

أنيسة الهوتية

"كاثرين".. فتاةٌ مسيحية يتيمة تربَّت في دار أيتام تتبع كنيسة كاثوليكية متشددة، لكنها بدأت تميل للإسلام حينَ بدأت تقرأ عن صلاح الدين الأيوبي، وعندما دخلت إلى الجامعة تقرَّبت من زملائها المسلمين؛ لأنها كانت تبحث فيهم عن صلاح الدين الأيوبي! وبعد أنْ التقت شابًا اسمه "صلاح" تعلقت به، لربما الاسم كان له دور في ذلك، ومع مرور الوقت اعترفت لصلاح بأنها تود دخول الإسلام، وأيضاً تتمنى أن يتزوجها.

فأخبرها "صلاح" بأنه سيُحاول أن يأخذ موافقة أهله أولاً؛ ففرحت كاثرين لأنَّها تريد أن تكون جُزءا من عائلة، لكنه فاجأها بأنه سيتزوجها سِرًّا، لأنه سيتزوج مِن ابنة عمه المخطوبة له من أيام الثانوية!! صُدمت "كاثرين" ولَم تَستطع استيعاب فكرة الزواج السري والتعددية في الزواج! لأنها وعلى كثرة قراءاتها عن الإسلام والمسلمين، إلا أنها لم تقرأ عن أن الشرع الإسلامي يُحلل للرجل مثنى، وثلاث، ورُباع.. وإن لم يستطع فواحدة، أو فليَصُم صوناً لعرضه.

وطبعاً لم تتقبل الأمر -الذي نساء المسلمين أنفسهن لا يتقبلنه- وغضبت على الإسلام وأرسلت رسالة إلى دار إفتاء تبين مدى استيائها وغضبها، وأنها قررت أن لا تدخل الإسلام لأنه دين غير عادل يسمح للمرأة بأن تشارك زوجها مع نساء أخريات دون مراعاة مشاعرها، ومَيز الرجل وفضَّلَه بالاستمتاع بأكثر من امرأة! ليس فقط في الدنيا؛ بل حتى في الجنة يحصل على عشرات من "الحور العين"، والمرأة تبقى مع زوجٍ واحد والأخريات يشاركنها فيه حتى هُناك في الآخرة!!

يقول الشخص الذي كان يعملُ معَ الشيخ عضو لجنة الفتوى في فرز الرسائل، إنه كان كُلما يَفرُغ يرجع لرسالتها، يفتحها ويقرأها فيضحك ويستغفر ويرتكها، فسأله: هل أنت بخير شيخنا؟ فرد الشيخ: نِساءُ المُسلمين لا يقتنعن بمشاركة الزوج على سُنة الله ورسوله مع امرأة أخرى، وكأنهن يؤمن ببعض الكتاب ويرفضن بعضه، كمن وصفته الآية: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض". فما جزاء من تُعارض شرعاً إلهيًّا إرضاءً لنفسها! وإذا كانت نساؤنا كذلك فكيف بنساءِ أهل الكتاب! والأغلبيةُ يفعلنها كِبراً وخشيةً على التشارك في الورث! فتَرَاهُن يتسابقن في الإنجاب حتى يأخذن النصيب الأكبر منه. وسأردُّ عليها في وقت فراغٍ بعقلانية، لعلها تَهتدي!

وفي المساءِ، كَتَبَ الشيخُ ردًّا طويلاً لـ"كاثرين"، في وقتِ استجمع طاقاته الفكرية ليشرح لها الحكمة من التعدُّد بطريقة ودية، ومن بعض أقواله الفُكاهية: "لتكثير الأُمة، ونجاح المشاريع، فالرجل المُعَدِّد لديه أكثر من سكرتيرة وعدد من الموظفين والنواب الذين هم أبناؤه! وللتوازن الاجتماعي بين تعداد الرجال والنساء، فمثلاً إذا تواجد بالصف أربعة طلاب وتفاحة واحدة فقط، إذن ستُقَسم التُفاحة للأربع حتى لا يأكل واحد ويجوع ثلاثة، وكذا الزوج المسكين يقسم إلى أربع نساء وفي ذلك مشقة عليه أكثر منهن! وأيضاً هو علاج لغض بصر الرجل "السوبرمان" حتى لا تنتشر طاقاته الخارقة، وتخترق جميع النساء فيؤذي ويتأذى، ويقتصرها في حدود بيته ويصبح "سوبرمانهُن".... .

وجَوابٌ آخر على أسئلتها الكثيرة: "لا بأس إذا طلبت امرأة بالغ عاقل من رجل أن يتزوجها شرعاً دون اشتراط المسكن، والملبس، والمشرب إن كان الرجل غير مقتدر، فإنها بذلك لم ترخص نفسها بل صانت عِرضها، والمرأة لا غنى لها عن الرجل، ولا عيب في أن تساعده مادياً، بَل سَتُثابُ عليه ويحتسب لها حَسَنة".

وبعد سبعة أعوام، "كاثرين" أصبح اسمها خديجة، وأنجبت للشيخ أربعُ بنات وَصَبي، وحالياً تعيش معه حياةً سعيدةً كزوجة ثانية. وهي من تقدَّمت بطلب الزواج حتى تُكوِّن عائلة معه، ويكون مُستشاراً لتجارتها، وصديقاً وَحَبيباً وَزوجاً.

وبموافقتهما، هذا مَدخلٌ لروايتي القادمة: "مَثنى وثلاث ورُباع".