كذبة أبريل والنسكافيه!

أنيسة الهوتية

هل توقعتم يومًا أن "النسكافيه" له علاقة بكذبة أبريل؟ علاقة بدأت منذ الحرب العالمية الثانية متوغلة أوساط الجنود الأمريكان؛ فشركة "نستله" اخترعت فكرة القهوة الجاهزة المجففة للمحافظة على الفائض السنوي المهدور من البن البرازيلي، بمبادرة من الحكومة البرازيلية، وكان نتاج التعاون بينهما في الفكرة ميلاد "نسكافيه" عام 1830م، الذي انفجر بشعبية هائلة في الأوساط الأمريكية؛ كمشروب سحري للنشاط والطاقة البدنية، وبعد اشتهاره بالإعلانات، خصصت أمريكا منتوجات النسكافيه للجنود الأمريكان، وأصبح مشروباً محتكراً للاستخدام العسكري في العام 1838م، بدءًا من 1 أبريل، حتى البعض اعتبره نكتة أو كذبة من كذبات أبريل حين كانوا يسمعون أن "النسكافيه" أصبح مخصصا فقط للجنود الأمريكان، ومثله الجنود أنفسهم اعتبروها كذبة حين كانوا يخبرونهم بأنَّ هذا المشروب مخصص لهم، وأنه يمددهم بالطاقة والنشاط، وأن كوباً منه يكفيهم عن النوم لساعات مطولة! والآن استطعنا أن نفهم لماذا عانى الجنود الأمريكيون من مشاكل ذهنية وهضمية وعصبية إبان الحرب العالمية الثانية أكثر من غيرهم!

وتلك كانت قصة النسكافيه المرتبطة بكذبة أبريل، ولكن ما هي قصة كذبة أبريل نفسها؟

يقال إنَّ كذبة أبريل أو بالأصح جملة (أغبياء أبريل) ظهرت في فرنسا عام 1564م، بعد تبني شارل التاسع للتقويم المعدل، ثم جاء البابا غريغوري الثالث عشر بالتقويم الميلادي الحديث، الذي يبدأ فيه رأس السنة الجديدة من 1 يناير، والإحتفالات برأس السنة تبدأ من 25 ديسمبر دولياً ورسمياً منذ نهاية القرن السادس عشر، حيث كانت الاحتفالات سابقاً تبدأ السنة النجمية ودخول الربيع بتاريخ، ثم يحسب العام الجديد من 1 أبريل. وكانت هناك مجموعات رفضت تغيير التقويم واستمرت على احتفالاتها من 21 مارس إلى 1 أبريل، وهؤلاء من تم نعتهم في إنجلترا وفرنسا بأغبياء أبريل. وطبعاً أشهر الأكاذيب كانت قد خرجت من أفواه الإنجليز الذين يعتبرون من أكثر شعوب العالم إتقاناً للكذب والتمويه الفكاهي.

ونرجع إلى النسكافيه ومنه إلى القهوة والتي هي الكلمة الأصل المنحدرة منها "كفييه" بالتركي و"كوفي" بالإنجليزي، والتي قبلها كانت "كافا"، ومن أجود أنواعه اليمني من مخاء غرب اليمن، والمسمى حالياً بـ"موكا". وأجدني أقرأ تشابهاً بين القهوة وأغبياء أبريل في قصة استيراد وتصدير القهوة اليمنية في الروايات الشفهية المتداولة، أنه تم إقناع الحكومة اليمنية دينيًّا بأن الأموال الناتجة عن بيع القهوة حرام، لأنها مادة تتحكَّم بالمزاج مثلها مثل الحشيش وغيره؛ وبالتالي بعد تنازلهم عن تلك التجارة تم امتلاك أسرار زراعة أشجار البن، وتم الاتفاق بين حكومتي أمريكا والبرازيل بأنْ تتم الزراعة في الأراضي البرازيلية لبيئتها الحارة، والتجارة بالاسم الأمريكي، والاشتراك في الفوائد من المبيعات.

ورغم أن سحب تلك التجارة من اليمن لم يكن في يوم 1 أبريل، بل استغرق سنوات من التجارب الفاشلة والتخطيط، وباءت بحرب غريبة بين إنجلترا وأمريكا، إلا أنَّ الأخيرة نجحت أخيراً باستخدام الدين كحيلة بعد أن فشل الاحتلال العثماني، واحتكار محمد علي باشا والي مصر. وفي العام 1934م، أنشأت حكومة الإمام يحيى شركة لاحتكار تجارة البن اليمني دون تدخل الأمريكان، والأتراك، والإنجليز، والسعودية ومصر، لكنها في النهاية باءت بالفشل.

وبين هذا وذاك، كان يتم استغلال صغار المزارعين، وشراء البن منهم بمبالغ بخسة وبيعها بفوائد تزيد على 5 أضعاف المبلغ، كما كتبت الباحثة والطبيبة "كلودي فايان" في كتابها عندما كانت في اليمن.

وفي العام 1939م قدَّرت القنصلية الأمريكية حجم الإنتاج اليمني للقهوة بأكثر من 540 ألف دولار، ومن هنا بدأت الخطة للاستيلاء على تجارة البن اليمني ونجحت.