الدراسة في المغرب (9-12)

دردشات على جدار الزمن

 

 

 

حمود بن علي الطوقي

سيدنا رمضان (عواشر مبروكة)

من الذكريات التي ستظل راسخة في وجدان الطلاب العمانيبن الدارسين في المغرب، ولا يمكن بتاتا أن تُمحى من ذاكرتهم مهما تقادم بهم العمر، ذكرى استقبالهم شهر رمضان المبارك، ربما يكون هناك تقارب في العادات والتقاليد في استقبال شهر رمضان بين سلطنة عُمان والمملكة المغربية، ولكن تظل العادات والتقاليد المغربية متميزة وفريدة، وهي عادات ضاربة في عمق التاريخ.

نحن كطلاب تعلمنا من المغاربة كيف نستقبل شهر رمضان، وحتى عندما كنا نلتقي نتبادل التهاني والتبريكات، وكانت عبارة "عواشر مبروكة" لا تفارق شفاهنا، هذا اللفظ المغربي الأصيل لا يزال يتردد كلما طرق شهر رمضان أبوابه، فنسلم على بعضنا كطلاب درسوا في المغرب بعبارة "عواشر مبروكة".

صراحة الصيام في المغرب له طعم خاص، وطقوس ما زال يحافط عليها المغاربة، رغم التطور والمدنية، ولكنهم مازالوا يحافظون على هذه العادات والتقاليد الجميلة.

كنا نستقبل شهر رمضان بفرح وسرور، وأذكر أننا كنا نتهيَّأ لاستقبال شهر رمضان منذ منتصف شهر شعبان.

رغم أننا كنا نعيش حياة الطلاب والعزوبية، إلا أنَّ المائدة الرمضانية كانت مهمة وأساسية بالنسبة لنا. لا زلت أذكر تجمعاتنا لتناول الإفطار وتبادل الدور؛ فاليوم إفطارنا سيكون عند الشباب في إقامة قيس، ويوم آخر سيكون إفطارنا عند الأخوة في حي المنار، ويوم سنكون في ضيافة أحد الأخوة الدبلوماسيين، ويوم نزور أصدقاءنا المغاربة ونتناول عندهم الإفطار لنعيش العادات والتقاليد المغربية.

كان شهر رمضان يأتينا ولا نرغب في أن نفارقه، وكان المغاربة يودعون شهر رمضان بعبارة "رحل الحبيب".

أذكر بعد صلاة العصر، كنا نذهب للتبضُّع والتسوق في حي العكاري والسويقة بالمدينة، وتشهد هذه الأسواق حركة تجارية نشطة؛ حيث كُنا نرجع إلى سكنانا وقد امتلأت "الميكا" (الأكياس) بما لذ وطاب من الفواكه الطازجة المنوعة والفواكه المجففة، والحلويات التي تجهز طازجة ويسيل لها اللعاب.

كنا أيضا نقضي بعض الوقت في ممارسة الرياضة والمشي، وكنا نلتقي في غابة الهلتون، ونقضي وقتا جميلا، ونعود إلى شقتنا قبيل رفع أذان المغرب.

عندما نصل إلى الشقة تكون مائدة الإفطار جاهزة، ونبدأ بالإفطار مع رفع أذان المغرب، وأيضا طلق المدفع إيذانا بتناول الإفطار.

لا أنسى "الغالية"، وهذا اسم الشغالة التي كانت تجهِّز إفطارنا منذ الصباح، ولديها جدول يومي تعرف ماذا ستجهز لنا من مائدة رمضانية؛ فالمائدة الرمضانية في المغرب من أشهر الموائد على مستوى الموائد الرمضانية في الوطن العربي.

وعادةً الإفطار يبدأ بتناول اللبن والتمر، ويتوسط المائدة الرمضانية كل ما لد وطاب من مأكولات شعبية، وتأتي في المقدمة الحريرة المغربية التي تفوح رائحتها في الأزقة، والحريرة المغربية مشهورة جدا وهي عبارة عن حساء خليط من الحمص والعدس والشعرية مخلوطة بالكزبرة والبقدونس وقطع صغيرة من اللحم الطازج.

وإضافة إلى الحريرة، فالمائدة الرمضانية تضم أكلات أخرى مثل البغرير والرغايف والصفوف والبسطيلة والبريوات وحلوى الشباكية وكعب الغزال.

بعد صلاة المغرب، نذهب لصلاة التراويح في جامع بدر، وهناك من يذهب للجامع الكبير لأداء صلاة التراويح في الجامع الكبير بمدينة حسان.

وبعد صلاة التراويح، تشهد الأسواق حركة بيع وشراء نشطة، وتقام أيضا الفعاليات والمناشط الثقافية على مدار الشهر؛ حيث تقام هذه الأنشطة في الشوارع، ويتم كذلك بناء مسارح في الساحات العامة لتنظيم هذه المناشط، وتقام أيضا المسابقات والأهازيج الشعبية والموشحات الأندلسية.

ومن العادات السائدة في المغرب منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وما زالت مستمرة حتى الآن: عقد الدروس الحسنية؛ حيث كان الملك الحسن الثاني -رحمه الله- يقيم هذه الدروس في قصر الرباط طوال فترة شهر رمضان، يحضرها العلماء والفقهاء من جميع أقطار العالم، ويحضرها كبار رجال الدولة والدبلوماسيين ورجال الدين والفكر ووجهاء البلاد.

هكذا كنا نقضي رمضان كطلبة نستمتع بحلول الشهر الفضيل، ونعيش أدق تفاصيله الشهير بكل روحانياته وقدسيته.

الصيام في المغرب لن يُعوَّض أبدا، وكنا نودع الشهر ونتجهز لاستقبال أول أيام عيد الفطر السعيد.

وللعيد في المغرب حكاية تروى...،