القمة تسع الجميع

 

محمد بن حمد البادي

عندما سُئل جيم ويتاكر -وهو أول أمريكي يضع قدميه على قمة جبل إيفرست- عن الأمر الذي منحه أكبر شعور بالرضا كمتسلق جبال، أجاب: لقد ساعدت أناساً للوصول إلى قمة هذا الجبل أكثر من أي شخص آخر، إنَّ أمر اصطحابي إلى القمة أشخاصاً لم يكن ليتسنى لهم الوصول إليها دون مساعدتي هو أعظم إنجازاتي.

إن النجاح ليس مورداً قابلاً للنفاد، ولم يكن يوماً حكراً على لون أو عرق أو جنس معين، لا يعترف بالعمر أو بالجغرافيا أو الحدود الطبيعية، فبإمكان الجميع أن يحققه، فقوته تكمن في كونه متعددا في المجتمع، وإن أفضل ما يفعله الناجحون هو مساعدة الآخرين على تحقيق النجاح، ففي طريقك إلى القمة خذ بأيدي الآخرين دائماً وساعدهم لتحقيق النجاح، ساند من تراه مستحقاً للمساندة دون أن تخشى من أن يسرق الرغيف من فمك، وإن كنت تعتقد أن نجاحك لا يتحقق إلا بإسقاط الآخرين؛ فهذا النجاح في حقيقته فشل يرتدي ثوب النصر، فقمم النجاح رَحْبَة؛ تتسع للكثيرين.

في طريقك إلى القمة؛ ليس شرطاً أن تُسقط الآخرين لتبلغها منفرداً، وليس صحيحاً أن من وصل إلى القمة قد دفع الآخرين فور وصوله ليتساقطوا واحداً تلو الآخر ليبقى هو.

يقول غازي القصيبي -رحمه الله: يخطئ من يعتقد أن القمة مدببة لا تسع إلا لواحد، إنما هي مسطحة تسع الجميع، نحن لا نستوعب أنفسنا، لذا لا نستوعب الآخر.

في طريقك للمجد، خذ بيد من لديه حلم أو أمنية أو هدف يسعى لتحقيقه، وكن سنداً للضعيف حتى يسترد قوته، ولا تتخلَّ عن الفاشل حتى تبلغه طريق النجاح، وحاول أن تضمد جروح من تكالبت عليه ظروف الحياة بمخالبها، واعمل جاهداً على أن تكون إضافة قيّمة في طريق أحدهم، وتوقف عن اغتيال أحلام البسطاء، ولا تترك أحدهم في منتصف الطريق، ففي هذا الكون متسعٌ لك ولغيرك، يمكنك أن تفرد جناحيك لتحلق عالياً في سمائه الرحب، ويحلق معك مئات الملايين غيرك بآمالهم وأحلامهم وطموحاتهم، فإنَّ قيمة الحياة في أثر تصنعه، أو معروفاً تضعه في محله، وتأكد أنه كلما ساعدت أكثر صنعت أثراً أكثر عمقاً.

إنَّ الصعود إلى القمة على أعناق الآخرين هو نظرة قصيرة المدى لا تدوم طويلاً، لا يفعلها إلا من يرى العالم بمنظور المجموع الصفري zero-sum game، أيّ أنّه إذا فاز أحدهم فذلك يعني خسارة البقية، وأن هناك رغيفاً واحداً في العالم لا مجال لتقاسمه مع الآخرين، وهذا اعتقاد ليس صحيحًا أبداً، فالأرزاق بيد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات)، فرزقك الذي قسمه الله لك لن يأخذه غيرك.

وتذكر أن القمة تسع الجميع، فلِمَ لا نكون جميعاً على القمة؟