علي الرئيسي *
في مقالي السابق بجريدة "الرؤية"، تناولت فيه اقتصاد الثقافة، وهذا المقال عن النشاط الرياضي. والهدف من هذه المقالات بكل تواضع هو المشاركة في الحوار حول كيفية توسعة النشاط الاقتصادي، وخلق فرص عمل، خاصة في القطاعات غير التقليدية التي بإمكانها أن ترفد الناتج المحلي الإجمالي. ولا شك أنَّ النشاط الرياضي تأتي أهميته من أنه ليس فقط يفتح المجال لكثير من الأشخاص لتحسين دخلهم فحسب، وإنما له فوائد صحية واجتماعية كبيرة علي الفرد والمجتمع.
للأسف حتي الآن ما زلنا لا نتعامل مع النشاط الرياضي، وحاله كحال النشاط الثقافي بالمهنية المطلوبة. لذلك ما زالت مساهمته في الدخل القومي أقل من الإمكانيات المتوفرة والآمال المعقودة. إنَّ أيَّ نهضة حديثة لا تُقاس إلا بما يحققه شبابها وشباتها في المجال العلمي والثقافي والرياضي؛ لذلك معظم الدول تتنافس في حصول أبنائها وبناتها على أكبر عدد ممكن من الميداليات في المسابقات الدولية. وطبعا ذلك لا يتحقق من فراغ، لسنا بحاجة لنذكُر فقر نتائجنا في هذه المسابقات مما يعكس مدى تعثر الجهود الوطنية في هذا المجال.
لقد أصبحت الرياضة ومنشآتها في الكثير من المدن هي الرافع للاقتصاد والتطور. لقد أدي ذلك إلى توسُّع هذه المدن والضواحي بسبب قيام المنشآت الرياضية الضخمة، والتي تضمُّ الكثير من المنشآت الفرعية الأخرى كصالات الاجتماعات واللقاءات والمراكز والملاعب الرياضية المتنوعة والمقاهي والحدائق والفنادق التي تدخل في الاستثمار الرياضي، وتعزز من دخل هذه المدن وتنعكس علي النشاط الرياضي بشكل عام. إنَّ الاقتصاد الرياضي هو وجه من أوجه النشاط الاقتصادي؛ لذلك يجب أن يتحول النشاط الرياضي من فكر رياضي وبنيوي إلى صناعة حقيقية تدخل فيها استثمارات ورؤوس أموال ورجال أعمال. ولم يعد ينظر للرياضة على أنها نشاط ترفيهي اجتماعي، بل تعدت هذا التعريف لتشمل النشاط الاقتصادي.
كما يعدُّ الإنتاج والتسويق عمليْن مهميْن بالنسبة للنشاط الرياضي، وحلًّا مهمًّا لزيادة الدخل.. ومن هنا نشأت شركات ومؤسسات؛ لذلك تأتي أهمية إنشاء مصانع لإنتاج الملابس الرياضية والمعدات وغيرها من اللوازم الرياضية. كما أن النشاط الرياضي يخلق سوقا ضخما للإعلانات والنقل التليفزيوني والإذاعي؛ مما يعتبر رافدا للدخل والتوظيف. لذلك؛ يتزايد الاهتمام بالأنشطة التسويقية غير التقليدية؛ إذ كلفة الرعاية الرياضية تفوق مثيلاتها من الأنشطة الأخرى. إن قدرة المسوقين من العلامات التجارية على تحديد عائد الاستثمار من مثل هذه الأساليب يعتبر تحديا. فهم يسعون دائما للاستفادة من عامل الجذب عند الناس فيتحول الرياضي إلى أداة إعلانية، ويتحول الملعب إلى ساحة دعائية.
تمتعت صناعة الرياضة بنمو كبير في العقد الماضي، وتشير تقديرات (KPMG) إلى أنَّ السوق الرياضية العالمية بالكامل - بما في ذلك: البنية التحتية، الأحداث، التدريب والسلع الرياضية العالمية تقدر قيمتها بحوالي 700-600مليار دولار في العام (وهي تشكل حوالي واحد بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، ويتجاوز نموها نمو الناتج المحلي الإجمالي لمعظم البلدان. وتلعب الرياضة دورا حيويا في الاقتصاد الأمريكي على سبيل المثال؛ حيث تقدر عائداتها بحوالي 14.3 مليار دولار سنويا. كما أن الرياضة تُسهم بشكل كبير في صحة المواطنين وفي زيادة متوسط الأعمار.
... إنَّ تأثير الرياضة على القطاع السياحي كبير جدا؛ فهي تؤثر على التدفقات السياحية أثناء اللقاءات والدورات الرياضية. فالألعاب الأولمبية ومسابقات الفورميلا تجعل من المدن الحاضنة لهذه الأنشطة قبلة للسياحة حتى بعد انتهاء هذه الألعاب، هذا إضافة للقيمة التعريفية التي تخلقها لهذه المدن.
نعود إلى أهمية وضرورة إعادة تأسيس خارطتنا الاقتصادية، وأهمية خلق إستراتيجيات لقيام نهضة علمية ومعرفية وثقافية ورياضية، وأن ننظر إلى هذه الأنشطة ليس كأنشطة ترفيهية وإنما كروافد اقتصادية مهمة وحيوية؛ فالاستثمار في الرياضة هو استثمار في المستقبل وعلينا أن نشجع القطاع الخاص قدر الإمكان للاستثمار ورعاية الأنشطة الرياضية بالتعاون طبعا مع الحكومة.
* باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية