في عيني.. ولا أراه

وداد الإسطنبولي

كَم أوقفني هذا المقال كثيرا، لأني لا أريده مقالا تحليليًّا، ولا مقالا أقارن فيه هذا عن ذاك، ولكن أجد أن بعض الفواصل تجبرنا على أن يكون كذلك، أحتاج فقط أن أصل إلى بر الأمان وأصل بها إلى صناعة المجد.

فليتني أنادي بقول أمي، وتقول نعم!

وفي هذا الصدد.. هي هنا ليست على سبيل الحصر، وإنما كل أمهات الزمن الجميل.

نطق كلمة "أمي" يرادفها الحنين والذكريات وسيمفونية الخيال الرائع، التي تنبعث من واقع حقيقي يتراقص على عزف آلة الناي، وأول سلم أتذكره يتناغم لتشكيل صورة أمي أمامي شاخصة، صوتها ونهره وتقوُّس حاجبيها، وكيف كنا نقف بخوف واحترام وتقدير وإجلال لها، رغم حنانها الدافئ علينا.

ثمَّة تفاصيل كثيرة يحملها هذا القلب، فتغرس في نفوسنا آدابًا وأساليب تبقى وتثمر وتترسخ كما يترسخ ذاك الجذر تحت الأرض، فيتفرع ليثبت قاعدته بأسياج وتيده.

تختلفُ أمي بأشياء كثيرة، والصورة بيني وبينها تتشابه كأم، إلا أنَّها تختلف في أني كنت بعينها وتراني؛ فهي لا يغيب عنها لا شاردة ولا واردة، وتهتم بكل شيء، وتعلم كل شيء، وتضم كل هذا بعناية لأننا بأعينها. فينتشر الأمان بظلها، وكيف صنعت منا قدوة وسلوكا ومنهجا، فأنبتت جيلا متعلما واعيا مدركا للمسؤولية.

هل هذا التمكين منها في التربية يرجع إلى بركة تلك الحقبة، فالماديات لم تكن منتشرة كما نعهد ذلك الآن، أم هذه حاجتنا نحن نقولها، لتكون تفسيرا عن بعض نواقصنا وتقصيرنا من أثر مشاغل الحياة وضغوطها؟!

فكما قلت آنفا، أنا لا أقارن هنا، لأنني سأضع نفسي في حسبة التقصير، ولكن المواسم تتغير، فلماذا لا أتمايل بحرية كما كانت تتمايل أمي كالرياح في كل الاتجاهات؛ فلا تنحني ولا تنكسر وتلفني بحماها، في حين أنا من جيل أخرجته أمي، ولكن أطفالي في عيني وأنا معهم ولكن لا أراهم.

فالخوف يُرهِب أوصالي من هذا الجيل، الذي يحتاج منا كلَّ الأهمية في العناية به من خلال فهمه، واتخاذ أساليب لجذبه إلينا، ليكون بعيدا عن كل ما حوله، ما من شأنه أن يفسد عقله الصغير، وأتدبَّر في خطواتي إليه وأحرص؛ فهو ليس من جيل الفطرة، كما كان ذاك الجيل الذي أرضعته أمي، إنَّه جيل مُتفتِّح مدرك لما يدور حوله.

أمي هي الأمس واليوم والغد، وأنا أيضا ست الحبايب الذي تأثرت بأمي، فأتبع خطواتها مع اتباع أساليب التربية الحديثة لأواكب الظروف، ليكون ابني في عيني كما كنت في عين أمي.

------------------------

همسة أخيرة:

"رحم الله أمي، وغمدها جنة الخلد، وكل عام وأمهات المسلمين في خير وعافية وحب".

تعليق عبر الفيس بوك