السلام النفسي

رحمة بنت منصور الحارثية *

* إخصائية نفسية

السلام النفسي هو حالة من السلام والتوازن العميق في التكوين العقلي والجسدي والروحي للفرد تجاه مُجريات الحياة والمشاعر والأفكار.. عندما يعرف الشخص نفسه جيداً، ويتصالح معها تغشاه هالة من السكينة والطمأنينة والرضا والارتياح.

حين يتمكَّن الشخص من الاعتراف بالخطأ، ولا يخفي بحجة أنَّه معصوم من الزلة، وأن لديه نقاط قوة وضعف، يرتفع لديه الإحساس بالآخرين والتماس الأعذار لهم، وأنَّ الجميع مُعرَّض للخطأ والكمال لله وحده، بمعرفته لذاته ومكامن القوة بداخله يمدُّه كل ذلك بطاقة ليواجه العوامل والتحديات والصعوبات الداخلية والخارجية.

عندما تنتاب الشخص تلكم الراحة، يتحرَّر من القلق والخوف والتوتر الجاثم على صدره، والأفكار السلبية المخيمة على فكره، يرى ما حوله من أحداث بعين الرضا والإيمان العميق بأنَّه مهما كانت الصعاب إلا أنَّني بإذن الله سأتخطاها، فلن تهزمني العراقيل، وأنا استمدُّ ذلكم العون من الله، وبما ألهمني إياه من سكينة غمرت نفسي، وانعكست على قولي وفعلي. حين يتحقَّق السلام العميق لن يعود الماضي شبحاً يطارد الشخص، ولا الحاضر المُثقل بالهموم، ولا المستقبل المُبهم، وإنما الاستمتاع باللحظة وإعطائها حقها.

تقديرُ الذات واحترامها يرتفع مُؤثره لدى الفرد والثقه تزداد والتركيز والصفاء الذهني يصبح جليًّا لديه. وحين يستشعر الشخص جمالية السلام النفسي الداخلي ينعكس ذلك على تصرفاته وأسلوب حياته، ويكون سمة بارزة لديه ويؤثر ويتأثر به من حوله. كما أنَّ القلق يفسد استمتاع الشخص باللحظة الحالية ويغرقه بماضي يحدث ألف غصة وبمستقبل مشوب بالتوجس والضبابية.

ولتحقيق السلام، لا بُد من تقبُّل الأشياء التي يجب لنا أن نغيرها، إضافة للتسامح مع النفس ومع الآخرين يجعل التعافي من الأحداث سريعاً. إنَّ الابتسامة لها دور فعال للسلام النفسي.. أمَّا السلبية والتشاؤم وتوقع الأسوأ فهي من مبدِّدات السلام. كما أنَّ كتابة المذكرات اليومية والرسم يُسهمان في ترتيب الأفكار وتفريغ المشاعر، وأيضا التأمل والتنفس بعمق، والرياضة والطعام الصحي وشرب الماء كروتين يومي كل ذلك يضيف للنفس سلاما عميقا.

... إنَّ عدم تحميل النفس فوق طاقتها، والتقيد والثبات على المبادئ مهما بدت التصرفات للآخرين مثبطة، كما أنَّ الخلوة بالنفس وتنظيم الوقت والأولويات، يرتب الأفكار والقرارات، وتكون مدروسة حتى لا ينهكه اللوم لنفسه. لذا، يجب مكافأة النفس والإقرار بالإنجاز دون انتظار المبادرة من الآخرين.

وأخيرا.. السلام كالبذرة الداخلية تتجلَّى فائدتها بالمواقف حين يكون الموقف مقلقًا للقلب، عندما يكون الموقف محزنا؛ فالنفس تطيب الخاطر، وحين يكون الموقف مخيفا ينبع من النفس معيناً دفاقاً مؤنساً، وحين يكون المرء عند مفترق طرق، فإن النفس تختلجها طمأنينة للقرار، وحين يبنغي حسم الموقف، فالنفس تترفع عن أي قرار يؤذي هرم السلام النفسي الذي بُني على أسس راسخة.

ودمتم بسلام تنعمون بنفوس مستقرة.

تعليق عبر الفيس بوك