الدراسة في المغرب (7- 12)

حمود بن علي الطوقي

أصدقاء كسبائك الذهب

عندما أتيت للدراسة في المغرب، برفقة ابن قريتي الأخ والصديق محمد بن سيف الحارثي (أبو جاسم)، كنت على معرفة بطالب واحد فقط، كنا زملاء الدراسة منذ المرحلة الإعدادية والثانوية، وسعدت جدا عندما التقيته بالمغرب، الطالب هو الصديق يوسف بن عبدالله العامري، كُنا أصدقاء في مرحلة الطفولة بمدرسة روي، وجمعتنا الصداقة في مرحلة الدراسة الجامعية في الغربة. لقائي بصديقي يوسف العامري صُدفة في المغرب أسعدني، ليتني عرفت أنه سيلتحق للدراسة في المغرب، كنت خططت معه أن نسكن معا، أنا التحقت للدراسة في كلية الآداب، وصديقي يوسف كان يدرس في المدرسة الإدارية، ولاحقا سافرنا معا في رحلة سياحية إلى جنيف لزيارة شقيق الأخ سعيد بن عبدالله العامري؛ حيث كان يعمل دبلوماسيا في سفارة عمان بجنيف. وأيضا سافرنا إلى باريس لزيارة صديقي حافظ الغنامي الذي كان يدرس في جامعة السوربون بباريس.

صديقي رغم أنه كان يسكن بعيدا عن حي آكدال، إلا أنني كنت أحرص على زيارته، ونخرج معا لاكتشاف هذا البلد الجميل، كان يسكن في بناية مشهورة في ديور الجامع بحي المنار، وكان زملاؤه في السكن الأخوة الأعزاء: هاشم بن محمد السعيدي وحاليا موفد للعمل دبلوماسيا في سفارة عمان بالمغرب، وكذلك صالح بن سيف البطاشي وصالح بن إسماعيل البلوشي.

خلال هذه السنة الدراسية الأولى، تعرفت على مجموعة كبيرة من الطلاب؛ منهم من ربطتني بهم علاقة قوية وما زالت حتى الآن.

خلال هذه السنة الأولى من دراستي، كنت أسكن مع ابن قريتي وقريبي محمد بن سيف الحارثي، وزارنا الأخوة: ابن عمي عامر بن سيف الطوقي وكان يدرس في القاهرة، وأيضا اخي مسعود وكان يدرس في بريطانيا، سعدت جدا بهذه الزيارة، وكنت أجد نفسي كمرشد سياحي أخرج معهم للأماكن السياحية رغم أنني لم أكمل شهرين أو ثلاثة أشهر. من الأماكن السياحية التي كان لابد لأي سائح يزور المغرب من زيارتها، علاوة على شارع محمد الخامس في المدينة، لابد من زيارة السويقة، وهو سوق شعبي يشهد حركة نشطة، وأيضا الوداية وأذكر كنا نعبر ضفتي نهر أبو رقراق باستخدام القوارب الخشبية، وهذه الجولة السياحية تعني الكثير بالنسبة لنا كطلبة، وبمن هم بمعيتنا من الأخوة الأصدقاء الذين يتوافدون لزيارة المغرب. كما نقوم بزيارة صومعة حساب في مدينة حسان حيث ضريح الملك محمد الخامس، وهذا الضريح أصبح مزارا سياحيا يتوافد إليه السياح لقراءة الفاتحة على روحه، وأيضا يتناوب المغاربة على قراءة القرآن على مدار الساعة، وربما هذه العادة مستمرة حتى الآن. وأصبح أيضا ضريح الملك الحسن الثاني المتوفي عام ١٩٩٩ بالقرب من ضريح والده محمد الخامس.

أخي مسعود لديه قصة طريفة يرويها لنا؛ قال عندما زارنا في المغرب وقد ركب سيارة الأجرة "طاكسي"، وسأله السائق عن التوقيت ولم يفهمه، وقال السائق: الساعة دابة (تسعود)، أي التاسعة، وكان أخي مسعود يرتدي ساعة أخيه (سعود)، وعندما وصل البيت أبلغنا أن سائق تاكسي المغربي ساحر. فقد عرف ساعة أخي سعود بمجرد أن شاهدها، قال هذه ساعة تسعود.

اللهجة المغربية جدًّا صعبة، والمغاربة يعتبرون لهجتهم هي العربية الفصحى، ومصطلحات كثيرة هي في الأساس من اللغة الفصحى، رغم صعوبة اللهجة تمكنت من فهمها خلال السنة الأولى، ربما ساعدني على ذلك علاقاتي مع الطلاب المغاربة، ودخولي بيوتهم، وحقيقة إنَّ بعض الطلاب العمانيين أكملوا دراستهم في المغرب ولم يتقنو اللهجة (الدارجة)، وبعضهم تمكن منها وأصبح يتحدث بها بطلاقة وكأنه أحد أبنائها. من الطلاب الذين أتقنوا اللهجة المغربية بطلاقة الصديق عبدالله بن سعيد بن علي البوسعيدي، ربطتني به صداقة وأخوة، فعشت معه أجمل سنتين؛ حيث سكنا معا في شقة اخترناها معا، وسوف أتحدث عن هذه الشقة التي تقع في إقامة واد زيز لاحقا.

قصة انتقالي للعيش مع الأخ عبدالله كانت صدفة، حيث كنت أبحث عن سكن آخر بعدما استأذنت الأخ محمد الحارثي ابن قريتي، وأبلغته رغبتي في الانتقال، ولم يمانع، وانتقلت مؤقتا للسكن مع الأخ والصديق محمد بن سعيد اليحيائي وكانت شقته قريبة من شقتنا في زنقة ملوية، وعرض عليّ نسكن معا فهو يسكن وحده وشقته بغرفتين وصالة كبيرة، وافقت واشترطت أن أكون ضيفا مؤقتا معه، لحين حصولي على شقة صغيرة مناسبة حسب إمكانياتي المادية.

خلال هذه الفترة، تعرَّفت على الأخ والصديق عبدالله البوسعيدي؛ حيث كان هو الآخر يبحث عن سكن، وكانت فرصة أن نبحث معا؛ هو يبحث عن شقة وأنا أبحث عن أستوديو.

حقيقة الأمر.. سحرني الأخ عبدالله بنُبل أخلاقه وطيبته؛ فالأخ عبدالله البوسعيدي يدرس الحقوق بجامعة محمد الخامس، وهو من ولاية أدم، وأنا من ولاية إبراء، جمعتنا المغرب كطلاب وأصدقاء، كان يمر علي الصديق عبدالله بسيارته من نوع بي.إم.دبليو. وكانت السيارة الوحيدة التي يقودها طالب بهذه الفخامة، ولاحقا أصبحت هذه السيارة ملكي؛ فقد اشتريتها من الأخ عبدالله بعد تخرُّجه، وهذه السيارة تناقلت ملكيتها من طالب إلى آخر، وكنت آخر من امتلكها، وسوف أخصِّص لها مقالا؛ فلهذه السيارة قصة تُروى.

وتعتبر السيارة بي.إم.دبليو من السيارات العزيزة على قلبي، وما زلت أحتفظ بأوراقها حتى الآن.

ذكريات السكن مع الأخ عبدالله البوسعيدي ما زالت محفورة في ذاكرتي، ومن الصعب نسيان هذه الأيام رغم مرور أكثر من 30 سنة، إلا أنَّني أتذكر التفاصيل وكأنها لوحة بانورامية طبعت في الذاكرة.

شقتنا في إقامة واد زيز كانت من الشقق الراقية والجميلة، وكان إيجارها الشهري بمبلغ 1800 درهم، وارتفع الإيجار إلى 2000 درهم، وكنا نتقاسم الكراء (الإيجار) ونضع ميزانية شهرية لإدارة شؤون الحياة، رغم أننا كنا طلابا، لكنَّ شقتنا كانت مفتوحة للجميع، وكان العساس بواب العمارة واسمه عبدالرحمن يسكن في غرفة صغيرة على مدخل العمارة، ويقوم منذ الصباح الباكر بتنظيف فناء العمارة ويساعده أبناؤه وزوجته، وما زلت أتذكر وقوف العساس عبدالرحمن أثناء قيامنا بتأثيث الشقة؛ حيث اخترنا لها غرفة جلوس راقية وأثاثا فخما، وكانت تتزين جدران شقتنا بصور صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- حيث صور جلالته كانت السمة البارزة لكل شقق وسكنات الطلاب.

كنا نستقبل في شقتنا الضيوف وزملاءنا الطلاب الذي يدرسون في الجامعات والمناطق الأخرى؛ مثل: مراكش وفاس ومكناس.

تخرج الصديق عبدالله من كلية الحقوق وبقيت في الشقة وسكن معي الأخ أحمد بن محمد الجابري، لنُكمل معا مسيرة الدراسة، وذكرياتي مع أحمد لا تنسى؛ فقد سافرنا معا متجولين في مختلف ربوع المغرب لنكتشف المزيد عن طبيعة الحياة في هذا البلد الجميل.