لكنها ليست النسخة الوحيدة للسعادة!

أم كلثوم الفارسية

الزَّواج قيمة سماوية روحية ضاربة في عمق التجربة الإنسانية، وهو إنْ تعمَّقنا تفاصيله نجده فرصة ثرية لتحقيق الحكمة؛ وذلك من خلال تأمُّلنا لقطبية الذكر والأنثى كما يصفها -إيرك فروم- "هذه القطبية نفسها التي تُوجد في الطبيعة ليس فقط كما هو واضح في الحيوانات والنباتات، بل أيضًا في قطبية الوظيفتين الأساسيتين التلقي والنفاذ، إنَّها قطبية الأرض والمطر، والنهر والمحيط، والليل والنهار، الحلكة والضياء، المادة والروح"، ولقد عبر عن هذه الفكرة بشكل جميل الشاعر والمتصوِّف المسلم الكبير جلال الدين الرومي بقوله: "لقد رسم الإله هذا العالم؛ بحيث يكون كل جزء مقترنًا بأليفة؛ فالسماء هي الرجل والأرض، هي المرأة والأرض تُثمر بما تُسقطه السماء، والسماء في دورانها المستمر أشبه بالزوج الذي يسعى من أجل زوجته والأرض مشغولة كربة المنزل، تقدم للمواليد ما تحمله من غذاء انظر إلى الأرض والسماء، وهما مُثقلتان بالعقل إنهما يعملان عمل العقلاء". مشيرا في تعبيره الجميل هذا إلى عنصر الشراكة بين الرجل والمرأة الذي لا يتحقَّق بهذه الصورة السهلة المُمتنعة إلا عن طريق الزواج، فما من شيء يجعل العلاقات الإنسانية أكثر صِدقا ونُبلا ودوامًا من شراكة تفاصيل الحياة شراكة ممتدة من موضع القدم إلى موضع الرأس!!! شراكة الخيبات والعثرات. الهموم والأحلام. الضحكات والدمعات.. لا أظن أنَّ هناك علاقة تستطيع تجسيد هذا المعنى الرائع للشراكة كعلاقة الزواج، فكرة الشراكة في الزواج تجعلني أقف هامدةً، هذه العلاقة التي تحمل في تفاصيلها عمقًا أن تشاركني ما لا يمكن أن أتشاركه مع الآخرين.. تشاركني الدرب والقلب معا!! شراكة فنجان القهوة ومعجون الأسنان وجدول اليوم وشكل الهندام، وتفاصيل دقيقة جدًّا تجعل من هذه العلاقة شيئًا طاهرًا كغيمة سماوية متصاعدة متسامية، الزواج يمثل انغمارًا جريئًا في تجربة الشراكة.

يبدو الزواج في كثير من الأحيان حالة مُكاشفة نرى من خلالها أنفسنا كما نحن أنها تجرُّد صريح من جميع الأقنعة، وإذا كانت هناك من عبارة دقيقة تصف هذا العقد؛ فهي فن أن تقبلني كما أنا.

الزواج هو أن تدور عجلة حياتك متقدمة في المسار الصحيح بمساعدة شريكك ومباركته، أنتما في مكان واحد وظروف واحدة، لتدعما بعضكما البعض، وتحققا ذواتكما من خلال هذا العقد المقدس.

في الزواج يُعطي الإنسان للآخر، يعطي من نفسه.. إنَّه يعطي من حياته من أثمن ما يملك وهو بعطائه هذا يثري الشخص الآخر.

ولكن رغم الصورة الرائعة للزواج كمفهوم ومعنى، إلا أنَّ الطابع الإيجابي للزواج يحتاج جهدا كبيرا لفهم شريك الحياة بصورة أفضل، كما يحتاج لخطط مشتركة تصب في تحقيق سعادة الطرفين وتحقيق ذواتهما بعيدا عن الصورة النمطية التي رسمها المجتمع، والتي تجبر الأزواج أن يعيشوا في إطار معين لا يُشبههم في أغلب الأحيان.. تبدأ هذه الصورة من اختيار الشريك وفق معايير الأب أو الأم أو الأخوات، مهمشين المعايير الذاتية التي يتبناها كل من الشاب والشابة ورغبتهم في بناء عالمهم الخاص مع احترام معايير المجتمع.

وأزعم أنَّ هذا السبب يكاد يكون من أهم الأسباب التي أدت لارتفاع نسبة الطلاق في منطقتنا الخليجية في العشر سنوات الماضية.. فللأسف، ورغم التغيُّرات الكبيرة في نمط الشخصية والتأثيرات الفكرية التي طرأت على الشباب، إلا أنَّه لم يصاحبه بنفس القوة تغيير أدوات وأساليب الزواج؛ الأمر الذي قلَّص من فرص نجاح هذه العلاقات؛ فالرجل اليوم يحتاج لمرأة تفهم احتياجاته قادرة على محاورته، تمثل انعكاسا جميلا لنجاحه في الحياة، والمرأة أيضا تريد شريكا وصديقا وحبيبا، صورة الزوج التقليدي لم تعد تُغرِيها؛ فهي قادرة على توفير كل مُتطلباتها المادية، وكل ما تحتاجه شراكة حقيقية تطوِّر من ذاتها وتحقق أهدافها، وإلا فإنَّ الزواج بصورته القديمة لا يمثل لها هاجسا أو ضرورة، وكثير من النساء أصبحن يتبنين فكرة لا بأس من البقاء وحيدة بدون زوج، على الارتباط بشخص لا يفهمني ولا يعينني على تحقيق ذاتي؛ فالرجل والمرأة اليوم يُضيفان لحياة بعضهما البعض، ولا يكملانها لأن الفكر السائد بأنك إنسان كامل وليس ثمة شيء ينقصك. فإذا عشت حياتك لمدة 30 أو 35 سنة ولم تقُم ببناء أهدافك الخاصة بجانب حلم العائلة والأطفال، فإنك ستشعر دائما بأن شيئا كبيرا ينقصك، وأنك لن تكتمل إلا إذا أنهيت هذا الجزء من الرحلةّ!! والحق يا صديقي أنَّ الزواج والعائلة نسخة جميلة للسعادة، ولكنها ليست النسخة الوحيدة!!

تعليق عبر الفيس بوك