دردشات على جدار الزمن

الدراسة في المغرب (4-12)

حمود بن علي الطوقي

مشاهدات من ذاكرة المكان

أخيرًا.. أصبحتُ أملك بطاقة الإقامة، وأصبحت طالبا مسجلا لدى جامعة محمد الخامس، هذه الجامعة العريقة التي تأسست عام 1975، وأسهمت في تدريس عدد كبير من الطلاب من مختلف البلدان العربية والإفريقية، وهذه الجامعة فتحت ذراعيها لكل طلاب العرب والأفارقة مِمَّن تقطعت بهم السبل لتكملة دراساتهم الجامعية وحتى العُليا، كنت أتمنى أن تقدم بلادنا دعما لهذه الجامعة كإنشاء مكتبة عامة أو مبنى سكني للطلاب، أو كرسي للبحوث العلمية مفيد لتنمية العلاقات الأكاديمية بين البلدين الشقيقين.

أذكر أنَّ في العام 1988 كان يدرس في الجامعات المغربية قرابة 350 طالبا عمانيا يتوزعون على عدد من المدن المغربية من الرباط وفاس ومكناس ومراكش ووجدة والدار البيضاء، ولكن السواد الأعظم من الطلاب يتوزعون بين الرباط وفاس.

اخترتُ الرباط لتكون محطة دراستي الجامعية والإقامة ستكون في حي آكدال الجميل. وفي هذه الأثناء، كان يتوافد عدد كبير من الطلاب عائدين من عُمان بعد انقضاء الإجازة الصيفية، وتعرفت على عدد كبير من الطلاب، خاصة الذين يقطنون في "حي آكدال"، وهناك مجموعة أخرى يقطنون أحياء متفرقة؛ منها: حي حسان، وحي الرياض، وحي سلا المدينة، وحي المنارة وحي ابن خلدون، وحي التقدم ودور الجامع، وحي العكاري وحي يعقوب المنصور.

المسافة المتحرِّكة بين هذه الأحياء -وبعضها أحياء شعبية- تمثل وتعكس ذاكرة المكان بكل تفاصيلها للطالب العماني، حلوها ومرها.

وما بين هذه الأحياء تتشعَّب الأزنقة، وكل زنقة تشم من بعيد رائحة القهوة العمانية، لتؤكد للمارة طيبة وكرم هذا الطالب العماني الذي قطع آلاف الأميال ليجد نفسه متنقلا بين أزنقة حي آكدال؛ مثل: زنقة مالوية، وزنقة واد زيز، وزنفة أم الربيع، وزنقة عقبة، وزنقة أزاكزا، وزنقة ضاية عوا، وزنقة حمزة، وزنقة ضاية الرومي... وغيرها من الأزنقة المتداخلة والمتشابكة والمتفرعة من شوارع الأبطال وعمر بن الخطاب وفاس وفال ولد عمير، وفرنسا، وتصحو هذه الشوارع على صوت الطالب العماني منذ الصباح الباكر وهو يسلم على العساس (بواب العمارة).

أذكرُ أنَّني بعدما تعرفت إلى الأحياء في الرباط، كنت أذهب إلى شارع محمد الخامس في وسط البلد ويبعد عن حي آكدال بحوالي 10 دقائق نقلا بواسطة الطاكسي، أو مشيا على الأقدام.

وعندما كنا كطلاب نتجاوز باب الرواح، وندخل من باب (الحد)، وندلف إلى شارع محمد الخامس، نعتبر أنفسنا ندخل في عالم آخر؛ حيث الحركة التجارية النشطة وزحمة السيارات والمارة؛ فالكل يمشي فهناك تجد من يتسول، ومن يتعارك على أتفه الأسباب، وترى الأطفال يلاحقونك لكي تعطف عليهم بدرهم، وفي المقابل تجد المحلات التي تصطف على الشارع وتبيع أجود أنواع الملبوسات والأدوات، ويقع مبنى في هذا الشارع محطة الرباط الرئيسة للقطار محطة (المدينة) ومبنى البرلمان، ويوجد أيضا في هذا الشارع أشهر الفنادق  ومكاتب حكومية وبنوك ومقاهٍ راقية ولعل مقهى (بليما) الأشهر في شارع محمد الخامس، ويعتبر ملتقى للشعراء والأدباء والمثقفين.

في شارع محمد الخامس أيضا توجد محطة اتصال (سنترال)؛ حيث يعد الوحيد الذي نقوم من خلاله بالاتصال بمسقط، والاطمئنان على الأهل. وعادة عندما تأتي للاتصال تجد الطلاب العمانيين وغيرهم ينتظرون الدور؛ حيث يتمُّ الاتصال عن طريق كابينات صغيرة، ولابد أن تحجز دورك وتنتظر لحين يتم مناداتك لكي تكمل إجراءات الاتصال.

طبعا عندما تصل لشارع محمد الخامس الشهير، لا بُد أن تكمل مشوارك لزيارة السويقة؛ والسويقة مصطلح لتصغير السوق، وفي معظم المدن المغربية، توجد السويقة، وتعد السويقة في الرباط من أشهر الأسواق المغربية الشعبية، وقد تحتاج لساعات طويلة وأنت تتجول وتتسوق في هذا السوق الشعبي (السويقة)، فهنا تجد البضاعة المتنوعة والرخيصة، وكنا نأتي إلى السويقة للتبضع وشراء الاحتياجات من الملابس والأدوات الإلكترونية... وغيرها من البضائع المتنوعة. وعندما كان يأتينا سائحا من عُمان من الأصدقاء؛ كان لا بُد أن نصطحبه إلى السويقة. وأذكر تاجرا مغربيا يبيع الملابس الجلدية والحرف التقليدية اسمه عبدالرحيم، كان صديقًا للطلاب العمانيبن، ومن خلاله نقوم بتبديل صرف الدولار إلى الدرهم، وكان يعطينا سعرا أفضل من البنك، وأصبح عبدالرحيم صديقا لمعظم الطلاب، ومحله كذلك لجودة منتجاته من الملبوسات الجلدية والملابس المغربية التقليدية.

**********

يُتبع....،

في الحلقة القادمة، سأتحدث عن عادة رمضان في المغرب، وكيف يستقبل المغاربة هذا الشهر الفضيل.