أم العيال تصادر هاتفي!

 

سالم بن نجيم البادي

قال ضحي: نعم، فعلتها أم العيال، واختطفت الهاتف من يدي عُنوة وبسرعة البرق، مع موجة غضب عارمة..

لقد لمحت اسم فتاة دخلت على حسابي في الإنستجرام على حين غفلة مني تدعي أنها ترغب في الدردشة معي وأنا أصدها، تقول لي: "تغديت يا ضحي"، وهذا ما قرأته زوجتي المصونة، وأشعل نيران الغيرة، وأنا أقسم الأيمان الغليظة بأنَّني لا أعرفها، وأعدها بأن أقوم بحظر الفتاة فورا، وهي لا تصدقني، والوقت وقت القيلولة، وقد عدت من العمل لتوِّي مُرهَقا، ولا رغبة لي في الدردشة، ولا دخول معارك طاحنة مع أم العيال.. أريد هاتفي، هناك رسائل تَرِد إليَّ من جهة عملي حتي بعد نهاية الدوام الرسمي، وفي أيام الإجازات احيانا. ونحن في زمن "كورونا".

ولا أخفيكم سرا أنَّ مثل هذه العبارات اللطيفة مُحبَّبة إلى النفس، وتشعرك بأنَّ هناك من يسأل عنك ويهتم بك لو كانت بريئة ومن شخص تعرفه وتثق في حبه الخالص.. هل تغديت؟ كيف كان يومك؟ صباح الورد، هل نمت جيدا ليلة البارحة؟ وكيف كانت أحلامك؟

على أنَّني ومع تجربتي مع وسائل التواصل الاجتماعي، أعرف أن نوايا أصحاب تلك الأسئلة ليست بريئة على الدوام. لقد حَظَرت عشرات من هؤلاء المتطفلين والمتطفلات والفارغين والفارغات وأصحاب المقالب وأصحاب النوايا الخبيثة. تأتي إليك الرسائل من فتيات من كل بقاع الأرض يطلبن التعارف والتواصل وتبادل الصور، والقصد غالبا الابتزاز، تعرف ذلك عندما يطلبن منك التواصل عبر برامج تواصل معينة. وقد يُرسلن صورًا ماجنة بغرض الاستدراج، ولا تعرف إن كان المتواصل معك أنثى أو ذكرًا، والهدف دائما أنْ تقع في الفخ، ويسهل ابتزازك، وقد وقع الكثير من الناس ضحايا لهؤلاء، وحدثت بلاوٍ ومصائب وكوارث. وضاعت أموال فتيات فقدن شرفهن، جرائم قتل، أسر تفككت، حالات طلاق ودخول السجن..وهلم جرًّا.

كل هذا قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي سببا فيه، وقد تكون الدوافع في البداية التسلية وقتل أوقات الفراغ والبحث عن الحب والحنان والاهتمام حتى تتطور الأمور إلى عواقب وخيمة.

الوضع خطير جدا، والأسرة مسؤولة أولا عن مراقبة الأبناء والبنات وتقنين استخدام وسائل التواصل الاحتماعي، وملاحظة سلوك الأبناء والتغيرات النفسية والاحتماعية التي تطرأ على تصرفاتهم مع إدمان استخدام هذه الأجهزة. والدولة مسؤولة أيضا ووسائل الإعلام والمؤسسة الدينية التي تحتاج تجديدَ الخطاب الديني الذي قد لا يلامس قضايا الناس اليومية الملحة، والمؤسسات التعليمية، خاصة المدارس، ينبغي أن يكون موضوع وسائل التواصل الاجتماعي أكثر حضورا في المناهج، وأن للمعلمين وإدارات المدارس دورا فعالا يتعدَّى منع الطلاب من إحضار الهواتف إلى المدرسة ومصادرتها إن وجدت عند الطالب داخل المدرسة، كما ينبغِي تكثيف المحاضرات والندوات والحملات التوعوية حول الاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، على أن يقدم كل ذلك بطريقة جذابة وسهلة ومن ذوي الاختصاص في علم النفس والاجتماع والدين والأخلاق، تلاحظ أن من يقوم بالتوعية هم من غير المختصين.

أما أنتم أيها الرجال، فاحذروا فأنتم مستهدفون، وإياكم أن تغفلوا عن هواتفكم طرفة عين، حتى لا تتم مصادرتها، ثم يتبع ذلك تحقيق شاق وطويل، هذه نصيحة من مجرب صُودر هاتفه. ومع ذلك فإنَّ مصادرة الهاتف ليست شرًّا كلها!

فقد شعرت خلال فترة المصادرة بسعادة غامرة وراحة نفسية كبيرة وبرد فؤادي من سيل الرسائل المنهمرة، وبعضها كغثاء السيل لا فائدة منها، ومن مشاجرات ومشاحنات أعضاء مجموعات الواتساب الكثيرة، وزعل وغضب الأعضاء وخروج بعضهم ثم رجوعهم، ومن رسائل واتصالات النصب والاحتيال، ورسائل التسول وطلب المساعدات المالية، ومن التهكير الذي لم يسلم منه أحد، ويحدث أحيانا أن يتم غلق حسابك في الإنستجرام وتويتر والسناب دون معرفة السبب، وتدخل في معركة محاولة استرجاع حسابك المغلق.

ولا يقهرك شيء في المجموعات أكثر من أولئك الذين يصرون على المواظبة يوميًّا على رسائل الصباح والمساء، والجُمع والمناسبات، والأدعية.. يا أخي إن كنت تحبني أدعُ لي بظهر الغيب.

بعد المصادرة، يقول ضحي: تنفستُ الصُّعداء، ووجدت متسعا من الوقت لممارسة الرياضة والقراءة، والقيام ببعض الأعمال في البيت والمزرعة، والعناية بأغنامي وناقتي، ومساعدة الأطفال في دراستهم وحتى اللعب معهم.

وإلى أنْ أتمنى استمرار مصادرة هاتفي، لحين تقرِّر أم العيال إعادته، سأقول لها: "خليه عندك، ما أريده".