البنيوية.. وأجيال متلاحقة!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

الانتحارُ هو الطريقة التي تجعل الإنسان مشهوراً دون أن يملك قدرات - جورج برنارد شو

--------

أحيانا يحاصرني سؤال: ما هي البنيوية؟

لن أتطرق لتعريف أكاديمي أو علمي إنما سأتحدث ببساطة أهل البساطة، البنيوية هي باختصار البناء أو البنيوي أو البنائية، ولا ننسى أن هناك نظرية في علم السياسة اسمها البنائية، ألفاظ ومفردات تتشابه إنما الفارق في معانيها التي تذهب إلى مآلات مختلف أدوارها.

لكل إنسان بنية خاصة به، هي بنيته وخصوصيته، تصور أنك في بيت به عائلة واحدة، العائلة مكونة من أب وأم وأبناء، هل تصدق أنَّ لكل منهم بنيه فلسفية ونفسية وثقافية خاصة، ولن أقول بنية صحية لأني سأدخل في فصائل الدم وتحاليله، هكذا هي الحياة وأكثر الإشكالات النفسية أو المغالطات المنطقية هي رغبة الوالد فلان في أن يكون ابنه مشابها في الطباع؛ حيث يربيه تربية معينة أو في العمل يريده أن يكون في مثل عمله، وغالبا يكون هؤلاء إما أصحاب مناصب أو درجات وظيفية عالية أو أصحاب مهن، يتصورون أن الزمن القادم هو مشابه لزمنهم، وأن الابن يجب أن يعمل كأبيه بنفس مهنته أو وظيفته، أي بشكل آخر يريد استنساخ نفسه في الابن، لا شك أنَّ هناك من الأبناء من يستمر بنفس الطابع الذي تربى عليه من أبيه، وهو بنفس الوقت يورث هذا الطبع لابنه حفيد الأب.. وهلمَّ جرًّا!

مجرد استنساخ يسير مع الزمن، تجد نفس العائلة بعد عقود -وليس سنوات- في مثل هذا الطبع أو التشابه!

لكن سأذكر أمرا مهمًّا وعلى طريقة المثل العامي الشهير: "النار ما تورث إلا الرماد"، بأن التاريخ إن ذكر فسيذكر شخصا واحدا من هؤلاء المستنسخين، سيذكر نسخة فقط، ويبقى البقية مجرد رقم زائد أو ورقة تطير في الهواء مع مرور الزمن!

بالمناسبة.. كثير من المؤسسات السيادية تؤيد استنساخ القياديين، خذ مثلا السلك العسكري تجد الضابط ينتج ضباطا، والسلك التربوي المدرس ينتج مدرسين، وفي السلك الأكاديمي الدكتور ينتج دكاترة، وقس ذلك على قوائم وظيفية أخرى؛ بل إنني سمعت مرة أن إحدى المؤسسات الحكومية عندما تحتاج تعيين حديثي التخرج تضع بندا غير مكتوب وهو عدة مقاعد لأبناء بعض قيادييها؛ وبالطبع إن لم توافق الجهات الأعلى على ذلك ستلاحظ غض النظر المريب عن هذا السلوك!

لنعُد إلى البنيوية، وهي عدة حالات، وفي السطور السابقة كنت أتوق لشرحها إنما بطريقة خاصة أعتمد بها عليك أيها القارئ، البنيوية هي الحياة، هي تكرار النموذج سواء جيدا أم رديئا، قد لا يكون ما سبق فيه من العلمية إنما بالتأكيد تزدحم به الواقعية، بنية الإنسان وشيفرته الجينية تصدر متشابهات، إنما لا تعطيك توقيعًا طبق الأصل، هذا هو المهم لأن الإنسان -أي إنسان- له شخصيته وميوله وحتى أهوائه، وما ينطبق على الأخ الفلاني قد لا ينطبق بالضرورة على أخيه، أرجو استيعاب هذه القاعدة، وهي أنني غير فلان، وفلان غيري، لكلٍّ شخصيته وبنيته الخاصة.

هناك استثناء من الانتقاد وهو توريث القيادة لأصحاب الشركات وأهل الحلال، لأن أحوال هؤلاء خاصة ولها مبررات معقولة لتشابه الاستمرار، ألم تسمع أن هذه الشركة تعمل منذ عام 1800 أو 1900 وهكذا... أحد محلات الحلويات يعمل منذ أكثر من 120 عاما تتوارثه الأجيال وبنفس أنظمة العمل من حيث مكونات ومقادير السلعة؛ لأنها بنيت على هذه البنى الأساسية لمقادير معينة قد تكون سرية وخاصة بهذا المحل، تنتج الطعم الشهير للمنتجات الغذائية.

هناك من البشر من يكون مستقلا بذاته وبمواهبه، فيكون نسخة غير قابلة للاستنساخ أو الطباعة لبشر آخر حتى بنفس العائلة، لا غرابة فهذه حكمة الله في خلقه، أن تكون مهندسا ليس شرطا أن يكون والدك كذلك، وأن تكون حتى راعي أغنام ليس شرطا أيضا أن تكون وارثا لهذه الحرفة أو المهنة، وأعرف شخصا حضريا وليس بدويا يملك قطيعا من الغنم ويتعامل معه بكفاءة أكثر من كثير من أهل البيئة البدوية. المسألة إذن تكون أحيانا رغبات أو اهتمام معين، ألا تذكر المثل الشهير: "ليس الفتى من قال أبي؟".. وقال تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن:26).