فما كان لنا منها إلا العنت والشقاء

خليفة بن عبيد المشايخي

"ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" - (لامية العجم للطغرائي).. وما أعظم الخطب لو لم يكن لطف الله الخفي علينا دائمًا، وما أكبر المصاب لولا نمنح سدادا، ونسدد إلى طريق الرشد والهداية بدادا.

فمن مظاهر التوفيق والعطاء الرباني لنا، أن أرانا الله ربنا الكريم الحق وأمرنا باتباعه، وأوضح لنا طريق الباطل وأمرنا باجتنابه، وعليه نقول إنَّه ومُنذ النظر إلى واقع الإنسان الذي هو نحن وأنتم، لم نجد هنالك من لم يبتلَ بأي نوع من الملمات، ومن لم يُمتحن بأي عارض أو مس أو ضر؛ سواء كان ذلك على الصعيد الشخصي، أو على الصعيد الأسري أو العائلي، فحتمًا لا يوجد آدمي على وجه هذه البسيطة لم يتجرَّع مرارات الألم والعذاب أيًّا كان مستواه، فحتى نبينا وحبيبنا النبي الأمي الطاهر الأمين الزكي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكن بمعزل عن ذلك، ولم يكن بمنأى عن أن يكون عُرضة للأحزان والآهات والأفكار والهموم، أيًّا كان حجمها ومستواها.

فجميعنا مرَّ علينا في سنوات الدراسة الأولى، أنه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فَقَد في عام واحد عمه أبو طالب الذي كان يدفع عنه أذى قريش، ثم تلى ذلك وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، والتي كانت تسانده في الدعوة، وسمي ذلك العام بعام الحزن. وحينما خاطبه ربه، رب العزة والجلال، قائلا له: "إنك ميت وإنهم ميتون"؛ فُجِعت الأمة برحيل قائدها وسيدها ونبيها ورسولها، الذي هو خير من وطأت قدماه الأرض، إنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمات صلوات ربي وسلامه عليه، ومع ذلك استمرت الحياة بذلك الفقد والمصاب الجلل، وبقي بعضنا حتى الساعة مُنعَّما في هذه الدار الفانية.

وبالنظر أيضا إلى ما تقدَّم، فإنه يتوجب علينا الاتعاظ وأخذ العبر، والاستعداد للرحيل بالأعمال الصالحة، وأن نعلم تمام العلم أنه اليوم أو غدًا سنُحمل على الأكتاف وليس معنا إلا أعمالنا؛ سواء صالحة أم طالحة، فيا الله وفقنا إلى أن تكون جل أعمالنا صالحة، وتوفنا وأنت راض عنا.

إنَّه في هذا المقام تَشِيح بنا ذاكرتنا الإسلامية لاسترجاع تلك المآسي التي مرَّ بها أفضل خلق الله وأصفاهم، كما هي الحال مع الأنبياء والرسل، وأيضا الصحابة الكرام الذين نالوا من الابتلاءات ما نالوا، وذاقوا من أنوعها ما ذاقوا، ولم يكونوا -وهم الصَّفوة- في خانة العصمة من المنغصات والمعاناة التي من شدتها قالوا لمن أمرنا الله جل جلاله بالصلاة والسلام عليه: ادعوا الله لنا بالفرج والنصرة، مع استعانتهم قُبلا بالصبر والصلاة، وحينما عمدوا إلى ذلك نجحوا وفازوا وفلحوا.

وإذا ما أردنا أن نعرِّج على حقيقة ما يُصيبنا من خير وحمله إلى أنه مؤشر لحب الله لنا، فإن كان هذا الاعتقاد من الآدمي سيكون بهكذا مأخذ، فإنه لرُبما ذلك أمر جلل وابتلاء من أصعب الابتلاءات وأخطرها استدراجًا، ذلك أنَّ الإنسان يعتقد في هكذا حالات أن توالي الخير عليه ومجيئه له، هو نعمة له، وأنه مؤشر لرضا الله عليه، وهو في الحقيقة عكس ذلك في مواقف ما، فالإنسان حتى من الحرام يُرزق، وهذه مصيبة إنْ كُنَّا نعلمها ونرتضيها، وتتعاظم إن كُنا لا نعلمها.

ثمة أمر نتفق عليه، وهو أنه لا يجب التسليم تسليما مطلقًا بأنَّ النفس البشرية جُبِلَت جبلًا على حب الشهوات والملذات فقط، وأن سوقها إلى الطاعات وحب الخير ومساندة بعضنا أمر صعب المنال، فاليوم أو غدا نحن راحلون شئنا أم أبينا، وإن لم يكن وجودنا في هذه الحياة الدنيا على طريقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن في خسران دائم، ففوزنا ونجاحنا وفلاحنا في هذه الدار، بامتثال أوامر الله تعالى جل جلاله، على طريقته صلى الله عليه وسلم، فقيمتنا مع ربنا ليست بالمنصب والحسب والنسب والكرسي والجاه والمال...وغيرها، بل بالتقوى؛ فأكرمنا عند الله أتقانا وليس غير ذلك، والدعوة من الله جل وجلاله لنا أن نكون مفاتيح للخير مغاليق للشر لتسعد بهذا النهج حياتنا وأوطاننا وبيوتنا وأهلونا، أمر معلوم وسابق علينا، فعلينا التطبيق العملي والفعلي ليدفع الله عنا، وليرفع منا وعنا العنت والشقاء وكل داء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

تعليق عبر الفيس بوك