د. رضية بنت سليمان الحبسية
تنامى إلى مسامعنا مُؤخرُا، بُروز حالات أُسرية كثيرة مِعْوَزَة، بحاجة إلى المُساعدات ومدّ يد العون من أصحاب الأيادي البيضاء، أو اللجوء إلى الجمعيات الخيرية، وفي حالات أخرى مناشدات إلى المقام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه-. وفي المقابل هناك من بين فئات المجتمع من يسعى إلى تفعيل مبدأ التكافل الاجتماعي على مستوى العائلة أو الحي أو المدينة الواحدة؛ لانتشال تلك الحالات من الفاقة والحاجة، وهي جهود تحمل قيمًا وموروثًا ثقافيًّا أصيّلا للمُجتمع العُماني.
ولكن! مع تلك المساعي المجتمعية، مؤسسية أو تطوعية، بحاجة إلى تغيير أدوارها الحاليّة من تقديم المساعدات، المتمثلة في توفير المؤونة وسبل المعيشة من مأكل أو مشرب أو ملبس، إلى أدوار أكثر تنظيمية تتسم بالاستدامة والتنمية البشرية. والتفكير في برامج ومشاريع مدروسة، تضمن تحويل تلك الأسُر من أُسر مُستهلكة إلى أُسر مُنتجة، والاعتماد على الذات بدلا من رفد المجتمع بناشئة تستسهل طرق الحصول على حاجاتها الأساسية، وبالتالي تُخَلّف أجيالًا عالة على المجتمع، كنتيجة حتميّة.
وكما يقول المثل الصيني القديم، لا تُعطني سمكة، بل علمني كيف أصطادها. فإنّ الحاجة إلى دراسة واقع الأُسر التي تقع تحت بند ذوي الدخل المحدود، أو عديمي الدخل – كما يُوصف لبعض الحالات- وذلك من حيث الأسباب التي أدت إلى تلك الخاتمة، وابتكار أساليب خلاّقة لدعم تلك الفئات، وتعليمها صنعة تحقق لأفرادها العفة، وتضمن لهم مصدر رزق مُستدام.
وعلى الرغم من التباين الأكيد بين أُسرة وأخرى من حيث التركيبة والبنية البشرية، ففي حالات عُظمى تحوي تلك الأُسر أفرادًا قادرةً على العمل والكسب، إلّا أنّ سوء التدبير وضعف الإرادة والركون إلى الراحة، سبب في جعل ليلهم كنهارهم، صيفهم كشتائهم، ينتظرون الصدقات والهبات من جهات مؤكدة تمدهم بما يُمكّنهم من تسيير أمورهم والتزاماتهم الشهرية، والتي في كثير من النماذج هي مُباهاة لأُسر أكثر قدرة على الإنفاق، بما أؤتي أصحابها من نعمة العلم والمال والعمل. وبالمقابل هناك من العائلات التي تُقدّم نماذجًا إبداعيةً في إيجاد وسائل متنوعة وعصرية؛ لتغطية نفقاتها الأساسية، بل وكمصادر دخل إضافية، تضمن لهم العيش الكريم في ظل تقلبات الحياة، وتذبذب الأوضاع المالية.
هنا يأتي دور المؤسسات المجتمعية الرسمية وغير الرسمية في تحقيق عملية الضبط الاجتماعي، وإقامة برامج تنموية وتوعوية وأخرى تأهيلية ومهارية للأسر المُحتاجة، وتكثيفها؛ بما يُسهم في القضاء على آفة مجتمعية غير إسلامية، في جعل الظروف الاقتصادية الراهنة شماعةً تُعلّق عليها بعض الأُسر سوء تخطيطها، وتُلقي بحصاد فشل إدارتها على الدولة بمؤسساتها السياسية والاجتماعية. بالإضافة إلى إنشاء عناصر وكوادر وطنية، قادرة على العطاء والكسب؛ لمواجهة الاضطرابات والعقبات الحياتية غير المؤكدة.