ولاية العهد بين العرف والقانون

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي

كاتب وأكاديمي

 

كثُر الجدل حول أفضل الأنظمة أو أنسبها للحكم، وليس هذا مجال حديثنا في هذه المقالة، ويكفينا أن نُحيل القارئ إلى كتاب "قصة الفلسفة" لويل ديورانيت الذي فصل في هذا الأمر استناداً إلى الحضارة اليونانية من خلال ما تركه أفلاطون وأرسطو في كتاباتهما عن هذا الموضوع.

ويرى بعض الكتاب أنَّ عهد الصحابة يُعد البداية الأولى للتجربة الديمقراطية في الإسلام، وهم على خلاف مع ذلك مع كتاب آخرين يخالفونهم الرأي.

وقبل الدخول في الحديث عن ولاية العهد وما يتصل بها من زوايا وموضوعات سنعرف منصب ولي العهد والمقصود من هذا المنصب.

فولي العهد هو الأمير الذي يُعين بحكم القوانين والأنظمة أو العرف أو القرار الملكي وريثاً للعرش وسيُصبح ملكاً بعد وفاة الملك الحالي أو مرضه أو تنازله عن العرش.

ولعلَّ بعض الأنظمة اختصرت أسباب تولي ولي العهد مسؤولية ومهام الحكم خلفاً للملك السابق بمصطلح (الشغور) أي في حال شغور منصب الحاكم أو الملك إلا أنَّ طريقة اختياره ومهامه تختلف من بلد لآخر.

وفيما يتَّصل بمهام واختصاصات ولي العهد فهي تختلف من دولة لأخرى من ذوات الأنظمة الملكية فتارة يُكلف ولي العهد ببعض المهام كأن يُكلف بحقيبة وزارية أو يترأس مجلس الوزراء كما حصل في الكويت لفترة مُحددة ثمَّ تمَّ فصل ولاية العهد من رئاسة الوزراء وتارةً يكون نائباً لرئيس الوزراء وتارة أميراً لإحدى المقاطعات كما هو الحال في بريطانيا.

ولكن الأهم هنا فيما يتَّصل باختصاصات ومهام ولي العهد هو أنه يُعد الإعداد الجيِّد والمناسب لتولي مهام الحكم كما حصل مع المرحوم الراحل جلالة السُلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، فقد كان والده السلطان سعيد بن تيمور يعده لتولي مهام الحكم بعده كما هو معروف في سيرته الذاتية.

وقد يكلف ولي العهد بمهام ووظائف عسكرية إذا كان قد أعد الإعداد والتكوين العسكري المناسب.

قد يكون توجه بعض الأنظمة الملكية إلى الملكية الدستورية وإعطاء مؤسسات الدولة صلاحيات أكبر والفصل بين السلطات هو الأمر الذي أدى إلى إعطاء الملك وولي عهده صلاحيات رمزية وفخرية.

ولعلَّ بعض الأنظمة الجمهورية استفادت من تجربة ولي العهد في الأنظمة الملكية في تعيين نائب للرئيس لا يخلف الرئيس إلا في حالات نادرة جداً.

وإذا انتقلنا إلى مجلس الوصاية على العرش أو الوصي على العرش فإنَّ منصب الوصي على العرش أو عهد الوصاية على العرش بدأ في المملكة المُتحدة لبريطانيا وإيرلندا عام ١٨٢٠ عند نهاية العهد الجورجي حين اعتبر الملك جورج الثالث غير لائق للحكم بسبب مرضه، وحكم ابنه كوكيل له بصفته الأمير الوصي عند وفاة جورج الثالث عام ١٨٢٠م.

ويتم اختيار الوصي على العرش أو مجلس الوصاية في العادة من أحد أفراد الأسرة المالكة ممن عرف عنه العلم والحكمة والخبرة وعدم الطمع في السلطة أو الحكم وهو الذي يترأس مجلس الوصاية إن كان هناك مجلس وصاية.

وتذكر بعض المصادر التاريخية العُمانية أنَّ السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي (١٧٤١ - ١٧٨٣م) ساهمت بشكل مُؤثر في تهيئة الحكم لابن أخيها السيد سعيد بن سلطان الذي حكم عمان وزنجبار بين عامي (١٨٠٦ - ١٨٥٦م).

وبهذا تعد السيدة موزة التي حكمت عُمان مُؤقتاً من أوائل التجارب العالمية في الوصاية على العرش بشكله العرفي.

ومن أقدم تجارب الوصاية على العرش في العالم العربي تجربة مُحمد علي باشا توفيق (١٨٧٥- ١٩٥٤) الوصي على العروش في آواخر العهد الملكي في مصر فقد كان وصياً على العرش بعد وفاة الملك أحمد فؤاد الأول والد الملك فاروق ووصياً على العرش على أحمد فؤاد الثاني ابن الملك فاروق.

ومن التجارب الأخرى في العالم العربي تكليف الأمير عبدالإله بن علي الهاشمي وصياً على العرش في العراق بعد مقتل الملك غازي الأول في حادث سيارة ولم يكن ابن أخيه الملك فيصل الثاني قد بلغ السادسة من عمره.

ومن التجارب الأخرى في العالم العربي كذلك مجلس النواب الأردني مجلس وصاية على العرش برئاسة الأمير نايف أخ الملك طلال حتى يبلغ الملك الحسين السن الدستورية للحكم إذ اعتلى العرش وهو يبلغ من العمر ١٧ عاماً عام ١٩٥٣م.

ومن خلال ما سردناه من موضوعات ذات صلة بولاية العهد في أكثر من دولة يتضح لنا أنَّ تعيين ولي للعهد يضمن استقرار نسبي لهذه الدول ويؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة يحقق لهذه الدول الهدوء والسلاسة بعيداً عن أية تجاذبات.

تعليق عبر الفيس بوك