من يسرق من؟!

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

ليس بجديدٍ في عمر الإنسانية ما نسمع عنه بين الحين والآخر من أحداث أبطالها بشر يعيشون بيننا ومع ذلك فإنَّ المراحل المُختلفة وتقلبات الزمن تغير أدوار ممثليها من حيث حضورهم والقبول بهم فـمرة يكون أهل ذلك الزمن واجهتهم أسماء أبطال الحروب وعظماء المعارك ويأتي زمن آخر يظهر فيه على السطح أبطال الصناعة والابتكار والشعراء بل والفلاسفة، ويأتي زمان مُعين ينتظر فيه معظم الناس، وعلى مستوى الأمم أسماء الذين يعلق عليهم أسباب كل ما يعانيه المجتمع في ذلك الزمن من مصاعب مثل الذين لا يحسنون حمل الأمانة وشرح أسباب ذلك يطول ومع أنَّ الحياة لم تتغير كثيراً من حيث سلوك الإنسان بصفته العامة.

إلا أنَّ هناك جوانب على درجة كبيرة من الأهمية للتساؤل والتوضيح اختصرها في أمرين وهما طبيعة وشكل قبول النظم والدول لمن يخرجون على القانون وكذلك صفتهم وقوتهم بل وإرادتهم في تطبيق وحماية القانون والنظم والتعليمات والآخر هو ثقافة الإنسان في اختياره لنوع سلوكه وصفاته فإذا كان الزمن فيه اختلاسات والتعدي على المال العام شائعاً والقانون مكتوباً يُطبق باستحياء فلذلك الزمن صفته وعلى أهله تحمل ذلك وإذا كان العكس صحيحاً فإنَّ للأمر ستكون موانع وخطوط عدة حتى تصل الأمور إلى ما تصل إليه ومع ذلك فكيف لإنسان حر البصيرة والفكر يقع في جوانب محظورة ولم يكن ذلك بمحض الصدفة أو المغامرة من أجل تجربة مفيدة أو الخطأ غير المقصود ليجد روح التسامح والمعذرة من الكثير غير أنه يخطط ويدبر ليحصل على حفنة من المال يعتقد أنه سيكون بها غنياً ومن ذوي الشهرة والعزة والوجاهة، في حين أنه لن يجني شيئاً من ذلك مطلقاً لأنَّ الأيام لم تجمع الشرف والغنى من خلال هذا التوجه، وإن دائرة الفناء والضياع ستصل إليه أو لمن بعده حتماً وكذلك فإنِّه للتصبرة والتفكر منِّا جميعاً، فإنَّ موافقة موظف حصوله على مبلغ معين من شركة أو غيره بمليون من المال مثلاً، فإنَّ عليه، وعلى الأقل أن يسكت ويتغاضى عن مئة مليون من المال مقابل ذلك المليون؛ لأن الشركة لا تعطي شيئاً مجاناً، وعليه أن يبيع كل الخطوط التي تمنع الإنسان من الوصول إلى تلك المرحلة، مثل الجنة والنار والأخلاق الإنسانية الفضيلة، واحترام الذات والترفع والقدوة.

إذاً هو لم يختلس المليون بل اختلس المئة والمليون، واختلس نهج الإنسان السوي له ولمن بعده، والأهم من كل ذلك من هو المختلس؟ إنه ابن الوطن، والمختلَس هو الوطن، وهذا الأمر شبيه بقطع اللحم من الجسم، وإن سادت هذه الصفة، تكون النتيجة ضياع الجميع عاجلا أم آجلا.

ثم إنَّ هذا الإنسان المؤتمن على الكثير هل يستطيع وفي المُستقبل عملياً أن يتحدث وأن يمنع أي نوع من الفساد حتى في بيته؟ أم أنَّ ما قام به كفيل ‏أن يسكته حتى عند فساد الأخلاق والذمم ومصير الأجيال؟ فإذا كان المال يستطيع أن يداعب النفس البشرية، فإنَّ له توابع على نفسه وبقائه هو وأحفاده من بعده، ولذلك يجب أن يكون القانون حازماً مترصداً ليحمي الناس حتى من أنفسهم الشريرة، التي قد تتعادل صفتها ميلاً إلى الشر أكثر منه إلى الخير.

وأخيرًا.. فإنِّه على الدول حتماً ودون أي مساومة دراسة تاريخ وحاضر كل مسؤول، مهما أعتقدنا صغر المسؤولية عليه، ويجب أن يكون نظيفاً ليكون قوياً في مستقبل خدمته لوطنه، وخاصة مع المال؛ لأنَّ أي موظف لا يكون نزيهاً لا يُمكن أن يكون مصلحاً لنفسه قبل غيره ناهيك عن عدم مقدرته على التوجيه والعمل الصحيح.