سهل صلالة وجدلية نقل رعاة الإبل

علي بن سالم كفيتان

لا شكَّ أنَّ هناك حلقات مفقودة بين مكتب محافظ ظفار وبعض سكان المناطق الريفية، وبسبب ذلك دارت سجالات بين الطرفين الذين لم يلتقيا للوصول إلى منطقة وسط ترضي جميع الأطراف، وتخفض من سوء الفهم غير الحميد، وشغل الرأي العام، وسبَّب الكثير من الضجيج على "تويتر" الذي وصل لدوائر صنع القرار في مسقط، عبر زيارات عدد من الشيوخ والأعيان الذين سلكوا الطريق إلى العاصمة، ورابطوا هناك في بعض الأحيان لنقل همومهم وشكواهم.

وقد تسبَّب ذلك في رسم صورة باهتة لهذا الملف الشائك أمام دوائر صنع القرار، ونُظر للأمر على أنه لا يتعدى معارضة أناس لا يتماشون مع ضرورات التنمية المطلوبة، لذلك ظلت رحلات الشتاء والصيف مجرد تنفيس عن هؤلاء المشايخ والمواطنين المنتظرين على تخوم الجبال، بما هم عائدون به من أخبار من العاصمة مسقط.

قرار تسليم سهل صلالة لوزارة الإسكان والتخطيط العمراني قبل أسبوع، ما هو إلا حلقة واحدة من جملة حلقات فقدها مكتب المحافظ، وأصبح يتخلى تدريجيًّا عن عدد من الصلاحيات التي كانت تميز المحافظة، وتجعل منها نواة أو مثلا يُحتذى لما يعرف باللامركزية؛ فقد كان المحافظ لديه صلاحيات واسعة، فهو الحاكم المحلي الذي تتبعه جميع الدوائر والخدمات؛ من التعليم إلى الإسكان والمياه والكهرباء، وأكاد أستغربُ من هذا السعي العكسي.. ففي الوقت الذي ينادي فيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- باللامركزية، ويُمنح المحافظون المزيد من الصلاحيات، وتُرصد للمحافظات مخصصات مالية للتنمية والتطوير، تتَّجه المحافظة في ملف الإسكان على سبيل المثال للعودة إلى المركزية عبر التنازل من صلاحياتها لجهات أخرى، ونرى في ذلك توجها عكسيا غير مُحبَّذ في هذه المرحلة.

ظلَّ ملفُّ الإسكان الريفي الشغل الشاغل -كما قال المحافظ في أكثر من مناسبة- رغم أنه مغلق منذ عشر سنوات، ولم تمنح من خلال قنواته الرسمية أرض واحدة لمواطن مستحق حسب لائحته التنظيمية، فيما عدا بعض الاستثناءات التي كانت مثارًا للجدل، وخلقت نوعًا من التناقض في التعامل مع هذا الملف. ولحل هذا الأمر كان الأجدى العودة للجان المحلية في الولايات والنيابات التي كانت تتولى آلية المنح وتقوم بمعالجة الإشكاليات التي تنتج عن هذا الموضوع؛ إذ إنَّ حلَّ هذه اللجان أوجد الفراغ وخلق بيئة مثالية للنزاع بين مختلف المكونات الاجتماعية في المناطق التي يشملها قانون الإسكان الريفي، وأسهم في إزعاج سلطات أخرى لم تكن تسمع بهذه الإشكاليات في السابق؛ كون الأمر برمته كان تحت سلطة المحافظ واللجان المحلية.

نتَّفق جميعا على أهمية إعادة دراسة استخدامات الأراضي بجبال ظفار وسهولها في ظل المتغيرات والحاجات التي تفرزها التنمية والتطوير، لكن لا يجب أن يكون ذلك بعيدا عن التشاور مع المجتمع والاستئناس برأيه، فقد استغربتُ أن أمر تسليم سهل صلالة إلى وزارة الإسكان والتخطيط العمراني اتُّخذ من طرف واحد؛ وهو مكتب المحافظ؛ لذلك فإنَّ تصريحات بعض أعضاء مجلس الشورى والمجلس البلدي بالولاية لم تتَّفق مع القرار، إضافة للمواطنين الذين عبَّروا عن استيائهم طوال أسبوع كامل عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ فتصدَّر القرار قائمة الأكثر تداولا (الترند) على منصة تويتر، وتخطى حتى قضيتنا الأساسية في البلاد؛ وهي الباحثين عن عمل.. أفلا توجب كل هذه المواقف تدارس هذا الملف بكل حيثياته؟!

لا يجب أن يُصوَّر الانسان الريفي على أنه ذلك الإنسان القادم من كوكب آخر؛ بل يجب التعامل معه كأحد مكونات المجتمع الأصيل في المحافظة، وهو كذلك بالفعل، ومن حقه أن يستمع كافة المسؤولين لمخاوفه، وأن يُستقبل مشايخهم ووجهائهم، ويُطلب تعاونهم في سبيل التطوير والتنمية، وأكاد أجزم بأنه لو حدث ذلك لهبّوا جميعا مع حكومتهم وقدموا الغالي من أجل إنجاح خططها وتوجهاتها، فقد سبق وخَبرهُم الزمن ولم يخذلوا بلادهم، وكانوا أول المضحِّين مع سلطانهم الراحل قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- لإرساء الأمن والاستقرار، وحفظ كل ذرة من تراب عُمان.