ملامح النظام الأساسي للدولة

 

 

سلطان بن جمعة الفارسي *

* باحث دكتوراة في القانون العام

 

أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيده الله- المرسوم السلطاني رقم (6/2021) بإصدار النظام الأساسي للدولة؛ وذلك في الحادي عشر من يناير 2021، وهو اليوم الذي وافق تولي جلالته مقاليد الحكم في البلاد.

ولم تكن هذه الوثيقة الدستورية هي الأولى في الدولة الحديثة لعُمان؛ إذ سبقها النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/96)، والمعدل بالمرسوم السلطاني رقم (99/2011)، وقد تضمن هذا النظام الأساسي (الجديد) أهم المبادئ والقواعد الدستورية التي ارتكزت عليها أركان الدولة المتجددة؛ حيث تضمَّن هذا النظام الأحكام والنصوص الدستورية المتعلقة بالدولة ونظام الحكم فيها، والمبادئ العامة الموجهة لسياسة الدولة، والأحكام المتعلقة برئيس الدولة وبيان مهامه وصلاحياته، كما تضمَّن هذا النظام الأحكام المتعلقة بالسلطة التنفيذية المتمثلة في مجلس الوزراء، والمجالس المتخصصة، والإدارة المحلية، وكذلك الأحكام المتعلقة بمتابعة ورقابة الأداء الحكومي، والشؤون المالية، فيما كرَّس النظامُ الأساسيُّ للدولة مبدأ استقلال السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس عُمان بغرفتيه الدولة والشورى، كما أكد على تكريس مبدأ استقلالية السلطة القضائية، وهذا ما سارت عليه كافة الأنظمة السياسية باختلاف تكويناتها، من التأكيد على بيان نظام الحكم في الدولة، وعلى المبادئ الرئيسية لاستقلال السلطات العامة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وعلى حماية حقوق وحريات الإنسان وواجباته العامة.

ومن أهم ملامح النظام الأساسي للدولة (الجديد) أنه بيَّن وبوضوح طريقة انتقال ولاية الحكم؛ حيث تنتقل من السلطان إلى أكبر أبنائه سناً، وإذا لم يكن لمن له ولاية الحكم أبناء فتنتقل الولاية إلى أكبر إخوته، فإذا لم يكن له إخوة تنتقل إلى أكبر أبناء أكبر إخوته، وإذا لم يكن لمن له ولاية الحكم إخوة أو أبناء إخوة فتنتقل ولاية الحكم إلى الأعمام وأبنائهم، ويشترط فيمن يتولى الحكم أن يكون مسلماً، عاقلاً، وابناً شرعياً لأبوين عمانيين مسلمين، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن نظام الحكم في عُمان سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السلطان تركي بن سعيد بن سلطان.

كما أقر هذا النظام الأساسي (الجديد) بتعيين وليٍّ للعهد، يتم تعيينه بأمر سلطاني، يحدد من خلاله الاختصاصات التي يمارسها، والمهام التي تسند إليه، وبهذا النهج الذي انتهجه المشرع الدستوري أزال أي اجتهاد قد يحدث مستقبلاً في شأن انتقال ولاية الحكم.

وفيما يتعلق بالمبادئ الموجهة لسياسة الدولة؛ فهي ذات المبادئ التي ارتكز عليها المشرع الدستوري والذي حددها في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني، وتميز هذا النظام بأن ألزم الدولة كفالة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية، والتعاون والتوازن بين النشاطين العام والخاص، وأن تشجع الدولة الاستثمار والادخار.

في حين جاءت المبادئ الاجتماعية أكثر وضوحاً، مؤكدة على كفالة الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، وأن تلتزم الدولة برعاية الطفل، والأشخاص ذوي الإعاقة، والشباب، والنشء، وأن تكفل الدولة للمواطنين خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على حماية البيئة، ولقد نص النظام الأساسي في هذا الإطار بأن العمل حقاً وشرف، وتشجع الدولة نظام الوقف.

أمَّا المبادئ الثقافية، فقد أكدت أنَّ التعليم حق لكل مواطن، وأنه إلزامي حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وأن تكفل الدولة استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي والإبداع الفكري، وتلتزم بحماية التراث الوطني.

لقد جاء الباب الثالث بمجموعة من الحقوق والحريات العامة، ومن أهم ما أضافه النظام الأساسي ضمن تلك الحقوق هي الحق في الحياة وكرامة الإنسان، وحماية الملكية الفكرية.

أمَّا فيما يتعلق بالتنظيم الإداري في الدولة فقد أفرد النظام الأساسي فصلاً خاصاً لتنظيم الإدارة المحلية، وفي الشأن الرقابي خصص فصلاً للمتابعة والرقابة على الأداء الحكومي.

وفي جانب السلطة التشريعية التي أولاها لمجلس عُمان -بغرفتيه الدولة والشورى- فقد حدَّد المشرع الدستوري اختصاصاتها في الجانب التشريعي بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين، ومناقشة خطط التنمية والميزانية العامة للدولة، ولمجلس عُمان اقتراح مشروعات القوانين، كما يبين القانون الاختصاصات الأخرى لمجلسي الدولة والشورى.

أما السلطة القضائية، فقد أولاها المشرع الدستوري عناية خاصة وأفرد لها باباً مستقلاً مؤكداً على استقلاليتها، مضيفاً أن الادعاء العام هو جزء من السلطة القضائية، يتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، وأن المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع.

وخلاصة القول أنَّ ما تميَّز به النظام الأساسي للدولة (الجديد) أنه نظم آلية انتقال ولاية الحكم في السلطنة، واستحدث ولاية العهد، فهي خطوة مباركة نحو تثبيت ركائز نظام الحكم في عُمان، تمنع الاجتهاد والتأويل في أي إشكال قد يثار حول انتقال ولاية الحكم بعد شغور منصب السلطان.

وأعاد هذا النظام الجديد صياغة بعض المبادئ الموجة لسياسة الدولة، كما ورد في المبادئ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستحدث بعض الحقوق التي كفلها للإنسان، وأكد على استقلال السلطات العامة التنفيذية والتشريعية والقضائية.

تعليق عبر الفيس بوك