"اللارية".. عملة مشبك الشعر

 

 

د. إبراهيم بن أحمد الفضلي

ظهر في مقاطعة لار بإيران في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، تصميمٌ جديدٌ ومبتكر للمسكوكات الفضية؛ حيث ضُربت على أشكال أسلاك طويلة من الفضة، يبلغ طولها 12-10 سم، وقطرها: 2,5 مللم، وتراوح وزنها بين 4-5,5 جم، وقد يُطوى هذا السلك على نفسه مرتين بحيث يشبه حرف U اللاتيني.

اعتمدت صناعة اللاريات بشكل رئيس على صهر معدن الفضة على هيئة أسلاك رفيعة، كان يتم تعريضها -أي جعلها عريضة- من الجانبين لتصبح جاهزة ومهيأة تماماً لعملية السك بواسطة المطرقة. وكانت الأسلاك تقطع أيضاَ بأطوال مختلفة، وإما أن تكون سلكاً منفرداً غير مزدوج، أو يكون سلكاً طويلاً يتم ثنيه، ولا يهتم كثيراً بأن يكون الطرفان متوازيين أو متساويين في الطول ذاته عند ثنيه، وهو الأمر المؤكد أنه كان يؤثر على وزن قطع اللاريات، فكانت كل قطعة تختلف عن الأخرى من حيث الوزن، حيث كان التعامل بها في منطقة الخليج يتم عن طريق الوزن وليس العدد. وكانت تشبك في حزام حول الخصر أو كانت تربط إلى بعضها البعض. وقد بدأ سك اللاريات في العصر الصفوي، كما سكه العثمانيون أيضاً، إضافة إلى الحكام المحليين في شبه القارة الهندية حتى سريلانكا، وقد انتشر تداول هذا النوع من المسكوكات في التجارة العالمية بصورة كبيرة وسريعة، وضربت منها كميات كبيرة، كما تم تداولها في الجزيرة العربية على نطاق واسع، وبصفة خاصة في التجارة عبر الخليج العربي وشبه القارة الهندية.

يعدُّ جاسبرو بالبيGasparo Balbi  (ت 1623م) أول من أشار إلى أصل هذا النوع من المسكوكات، وهذه التسمية اللارين، وذلك في سنة 1583م حيث قال: "إن أول من قام بسك هذا النوع من المسكوكات هم ملوك لار، الذين أسسوا دولة قوية في إيران.."، كما يذكر الرحالة بيدرو تكسيرا Pedro Teixeira (ت 1051هـ/ 1641م): "وهناك أيضاً مدينة لار أو لارا، هناك ما يعرف بنقود اللاري من فضة خالصة وجيدة، والتي عرفت وانتشرت في التجارة عبر الشرق".

وقد أشار الرحالة تافرني Tavernier والذي قام بالعديد من الرحلات إلى إيران بين عامي 1638-1663م وتحديداً في رحلته السادسة وتحت عنوان "نقود الجزيرة العربية" قال: "النقود التي أشرنا إليها في الرسم الملحق تسمى لارين، هذا النوع من النقود انتشر لدى الحكام في الجزيرة العربية وصار هو النقود الرئيسية في التجارة، وكان الناس يسارعون إلى استبدال النقود الذهبية من الريالات والدوكات والكراون بهذه المسكوكة من اللارين، وكان اللارين هو المسيطر في أسواق التجارة في الجزيرة العربية، وفي العراق في البصرة وبغداد، وفي تجارة الخليج العربي، حيث كان 80 لاري تساوي تومان واحدا أو ما يساوي 50 عباسي من الفضة".

وقد ورد ذكر استخدام النقود اللارينية في بعض معاملات البيع والشراء والصرف في عُمان خلال القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي ما يلي: أنه في سنة 1029هـ؛ وبسبب حدوث بعض الغلاء فكان التمر مائة مَنّ (1) بعشر لاريات، وحب الدخن (2) الجري (3) بثلاث لاريات والبر الجري بأربع لاريات وثلاث صديات (5) وكياس (6) حبن (7) بربع صدية، وفي عام 1038هـ بلغ حب البر (8) الجري بثمانية لاريات، كما بلغ التمر مائة مَنّ بأربعة وعشرين لارية في سنة 1046هـ، وفي سنة 1075هـ بدولة الإمام العدل سلطان بن سيف بن مالك اليعربي (1059-1090هـ/ 1649-1679م) عطب زرع البر في جميع عُمان حتى أنتهى من نواحي عُمان، وجلب من شط العجم بلغ على خمس لاريات. وبعد ذلك صار إلى ثلاث لاريات، وبعد ذلك عطب القيظ جاءه مطر، وما برح المطر في كل يوم وليلة إلى أن بلغ أن النخل لم ينتفع منها، ولم يطلعها أحد ليأخذ ثمرها، وبلغ التمر على عشرة لاريات.

ومما يؤكد على تداول النقود اللارينية في عُمان اكتشاف إبريق فخاري في موقع هليب بوادي الحريم بولاية ينقل بظاهرة عُمان بداخله 15 لارية فضية، وهي محفوظة بالمتحف الوطني في مسقط، وتحمل كتابات غير واضحة، ويتراوح وزنها ما بين 4,7-5 جرام، وطولها ما بين 35-62 مللم؛ ومن أشهر النقود اللارينية التي تم تداولها في الأسواق العُمانية خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين/ السادس والسابع عشر الميلاديين كل من النقود اللارينية الهرمزية والصفوية والهندية.

كان للصلات التجارية الوثيقة بين عُمان وإيران دوراً كبيراً في تداول نقود الدولة الصفوية التي حكمت في إيران، وإن كانت على نطاق محدود في الموانئ والأسواق العُمانية، وكانت أشهر تلك النقود الصفوية المتداولة تتمثل في الشاهي والعباسي والمحمدي والأشرفي واللارية. ونضرب مثال للنقود اللارينية الصفوية المتداولة في عُمان لارية فضية (9) تعود لعهد الشاه الصفوي طهماسب الأول (930-984هـ/ 1524-1576م) الذي خلف والده الشاه إسماعيل على العرش حيث يعد الشاه إسماعيل الأول (10) أول حكام الدولة الصفوية الذي قام بسك النقود اللارينية. استطاع الشاه طهماسب أن يحقق لدولته الاستقرار والازدهار، فقام بتطهير البلاد من الفساد وعمل على تثبيت المذهب الشيعي في أنحاء إيران، وعقد معاهدة صلح مع العثمانيين. وبعد وفاة الشاه طهماسب الأول تناوب على حكم إيران أبنائه وأحفاده حتى زوال دولة الصفويين في سنة 1148هـ/1730م، باعتلاء نادر قولي خان الأفشاري الأفغاني الأصل عرش إيران. 

ويظهر على وجه اللارية شهادة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعبارة علي ولي الله، بينما يظهر على ظهر اللارية اسم ولقب الشاه طهماسب.

استمرت النقود اللارينية في التداول في عُمان وأسواق الجزيرة العربية حتى دخول وتداول الريال النمساوي (القرش الفرنسي) عام 1790م.

-------------------------------------

المراجع:

- عباس إقبال: تاريخ إيران بعد الإسلام من بداية الدولة الطاهرية حتى نهاية الدولة القاجارية (205-820هـ/ 1343- 1925م)، ترجمة: محمد علاء الدين منصور، القاهرة، 1989م.

- عاطف منصور رمضان: مسكوكة اللارين المتداولة في الخليج العربي (10- 13هـ/ 16- 19م)، مجلة مركز المسكوكات الإسلامية – مصر، العدد الثالث، كلية الآثار – جامعة الفيوم، 2020م.

- روبرت دارلي دوران: تاريخ النقود في سلطنة عُمان، البنك المركزي العُماني، مسقط 1990م.

- مجموعة مؤلفين: الموسوعة العُمانية، وزارة التراث والثقافة، ط1، مسقط، 2013م.

- محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي: النمير حكايات وروايات، الجزء الخامس، الطبعة الأولى، 2012م.

- Wood, Howland: The Gampola Larin Hoard, ANS, New York 1934.   

********

الهوامش:

([1]) المنّ يساوي 4 كيلو جرامات.

(2) حب الدخن: حبوب صفراء صغيرة تستعمل غذاء للإنسان والطيور الداجنة، ويدخل طحينها في صناعة أنواع الخبز.

(3) الجري: آنية تقليدية تشبه الكرمة في ظفار، تستخدم في أغراض المنزل والمقاييس والمكاييل.

(4) الصدية: نقد فضي.

(5) الكياس: وحدة وزن تساوي اثنين وثلاثين جراماً.

(6) الحبن: نبات الدفلة.

(7) نوع من حبوب القمح.

(8) محفوظة بمتحف النقود بالبنك المركزي العُماني، الوزن 4,92 جرام، الطول 50 ملم.

(9) يعتبر الشاه إسماعيل الصفوي (907-930هـ/ 1502-1523م) هو المؤسس الحقيقي للدولة الصفوية (907- 1148هـ/1502- 1736م)، ولد سنة 892هـ/ 1488م، وكان عمره 15 سنة فقط عندما بدأ في تأسيس الدولة الصفوية، فقد استطاع الشاه إسماعيل تجميع عدد كبير من الجنود معه والقضاء على جميع منافسيه وخاصة التركمان حكام تبريز، ودخل العراق وسيطر على بغداد، ثم دخل تبريز منتصراً وأعلن تأسيس الدولة الصفوية وجعل تبريز عاصمة لها، وضرب النقود باسمه، وأقر المذهب الشيعي الإثني عشري مذهباً رسمياً للدولة. والصفويين اسرة تركية تُنسب إلى الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي، الذي توصل نسبه المصادر والكتب في عهد الشاه إسماعيل الأول للإمام موسى الكاظم، الإمام السابع للشيعة الجعفرية أي إلى الحسين بن علي لكي يصير له ولأسرته الحق والشرعية في اعتلاء العرش.  

تعليق عبر الفيس بوك