المقامة الهاتفية

 

سعيد بن علي المغيري

 

حدثنا مسلم بن المهاب، أنَّه بعد أيام جلبت له الأتعاب، وصار فيها مشدود الأعصاب، قرر الأخذ بالأسباب، والابتعاد عن كل الصعاب، فقصد حديقة له تسلب الألباب، كل شَيءٍ فيها يثير الإعجاب؛ فالمياه حولها تنساب، والشجر تمايُله جذاب، والطير يشدو كالرباب، عندها بالُه طاب... وصار صافياً كالسحاب...

  كان ابن المهاب.. يستعيد روح الشباب، بعدما أغلق الباب عما ناله وأصاب، من صنوف العذاب..

 ومن على كرسي يهتز باطراب، من صوت نوافير تفيض كالعباب، اختفى ضجره كالسراب وقال: "هاتوا لي الشراب، وأحضروا دلالا لا تمل الانسكاب، لتملأ لي أفخر الأكواب، بخلاصة أندر الأعشاب.." 

 وفعلاً، كان الشاهي لا يكف عن الانصباب، وكان محتسيه كالسابح في الضباب، في كل رشفة يقول باستغراب: "ليت شعري أهذا سُكرٌ مذاب؟"

 

وبجوار ما يحب من الشراب، كان ابن المهاب يتلذذ بطيب الآداب، من أشعار  الشابّي والسياب، فانقلب مزاج ابن المهاب وللراحة أثاب، وأصبح حاله في استتاب، فخف العبوس عنه حتى غاب، وأشرق وجهه وللبشاشة أناب.

وبمجرد حصول هذا الانقلاب، رنَّ هاتفه فجأة باضطراب، على إثر رسالة من أحد الأصحاب. بعثها له عن طريق (الواتساب).

كانت الرسالة تشرح مسببات الأسباب، مدعومة بإحصائيات فاقت الحساب، عمَّا لحق العالم من خراب فرق بين الأحباب، وجلب للبشرية الرهاب...

عندها عن القراءة توقف ابن المهاب، وقد تملكه الإرعاب، وقال: "وَيْل لهذا الكتاب، لا فيه غير الإسهاب، الذي يجلب الاكتئاب، مَن صاحب هذا الإطناب؟ لينال مني العقاب وسيلاً من السباب!"

لم يطل انتظار الجواب، وعلم مسلم أنَّ من ينتظره العتاب كان المستنجد الذي هو كوفدي الأنساب....

فأرسل مسلم رداً شديد الخطاب، خالياً من التحية والألقاب...

"هل فقدت يا  مستنجد الصواب؟ وماذا حلَّ بحسابيّ (الانستجرام) و(السناب)؟"

ثم أردف بكل استعجاب: "مستنجد... رجل الصعاب، الذي طاف وجاب، وزار كل الشعاب... كيف تركت تغطية الرحاب، إلى تحليل اليباب؟!"

حينها جاء الجواب.....

وقال مستنجد بصوت شتيت: "يا مسلم ذاك زمن عليه بكيت."

"نعم، كنت في ما مضي ذائع الصيت، حين كنت لا أكف عن الهيت، أما الْيَوْمَ فأنا ملازمٌ البيت، بين قضاء وقت مع الكتاكيت، وتعلمهم في الإنترنيت، وبين المحافظة على نظام (الدايت)...."

"هاك يا ابن المهاب الخبر، لا سفر قبل الحجر، واتّباع قوانين لا تستقر. ومن سافر وركب الخطر،  لقي فحصاً -مزعجاً- له ينتظر، وأياماً في حضرة الحظر.  بالأمس قيل العالم على مشارف التحرر، والْيَوْمَ يُقال جاءكم المتحور، ثم هكذا على هذا المنوال من التطور، يزيد وينخفض التوتر... ونحن نصفنا يستقي الأخبار من تويتر، ونصفنا الآخر يُحافظ على الحِمية بشاهي الزعتر...."

 

 

 

حينها قال ابن المهاب بصوت الحكيم: "يا رجل، إنَّ لنا رباً كريماً، رحماناً بحالنا رحيم. يا صديقي المحترم، هذه أيام -بإذن المولى- ستنصرم، وسنتجمع بعدها بكل كرم، وسنضحك ونقول كم هرمنا هرمنا ونحن نلعب (الكيرم)."

 

تعليق عبر الفيس بوك