المعرفة عصب الاقتصاد العالمي.. بدأت بحلم!

 

د. محمد عامر العمري

ربما نعتقد أنَّ محاولة علمية معينة ليست ذات جدوى ومضيعة للوقت والمال وقد نراها محاولة تقليد فاشلة. عملياً معظم الاختراعات التي ننعم بها اليوم ونستمتع بمميزاتها وتختصر علينا كثيراً من الوقت والجهد، والتي نجلس في استخدامها ساعات طويلة دون كلل أو ملل وتدخل علينا البهجة والسرور من خلال الاستمتاع باستخدامها، هي نتاج لاختراع علمي معين قد يكون مرَّ بمحاولات كثيرة من الفشل حتى وصل إلينا مثل ما هو عليه من الإتقان والجودة في استخدامه.

ولعل "مسبار الأمل" الذي أطلقته الإمارات العربية المتحدة الشقيقة إلى المريخ، قد يراه البعض منِّا محاولات غير مجدية في منطقتنا العربية التي قليلاً ما تطلق مثل هذي الخطوات الكبيرة لركب المعرفة التي تتسابق فيها الدول المتقدمة، لإيمانها أنَّ المعرفة هي عصب الحياة المعاصرة فمعظم الشركات العملاقة التي تتصدر التصنيف العالمي في الأرباح وكذلك مالكيها يعدون من أثرياء العالم هذه الشركات بدأت بأفكار بسيطة ولكنها غير مألوفة، تطورت فيما بعد وتوسعت لتصل إلى أرجاء العالم، ومع الكم الهائل من التطور التقني والذكاء الاصطناعي الذي غزا مختلف المجالات وشتى العلوم أصبح إلزاماً على الدول والأمم المنافسة في هذا المجال حتى وإن كان بشكل مبسط فالخطوات الكبيرة تبدأ بخطوات بسيطة وقد تكون غير مستقرة في البداية حتى تترسخ وتتقوى مع الزمن ويصبح لها أثر على المستويين الداخلي والخارجي. هذه الخطوات التي نراها صعبة وغير مجدية في كثير من الأحيان وقد تكون ذات بعد خيالي غير مجدٍ بالنسبة للبعض منِّا كانت مقدمة لأفكار لدى من يرون تحقيق الأحلام ممكناً وقد يصبح واقعاً. فأفلام هوليود قدمت كثيراً من الأفكار التي تم طرحها من قبل الكثير من العلماء الحالمين الذي لم يتبنَ أحد أفكارهم إذا لم تطرح بطرق إبداعية تكفلت بها السينما العالمية التي عالجت كثيراً من الأفكار التي تعد غير مألوفة في حاضرها ووصلت لنا وتم تطبيق البعض منها ونجح بشكل كبير فأفلام حرب النجوم كانت من الأفكار التي تمّ معالجتها كمادة سينمائية، ثم تمت الاستفادة من بعض أفكارها التي تساهم في خلق أفكار تبنى عليها حقول اقتصادية فيما بعد وهي بالأساس نتاج المعرفة التي خرجت من بنات أفكار بني البشر.

في هذا المسار نجد التركيز الشديد حالياً على حقول اقتصادية ليست مادية مثل التي كانت معتادة سابقاً كالزراعة والصناعة مثل هذه القطاعات ومثيلاتها من الحقول التي كان يعتمد عليها الاقتصاد قد تصبح قطاعات أقل أهمية. أما اليوم فتغيرت النظرة وأصبحت المعرفة وفروعها هي الحقول الاقتصادية ذات الطابع الشمولي ولعل في الأزمة التي يمر بها العالم حالياً وهي أزمة جائحة كورونا لنا عبرة حيث ظهرت تطبيقات ساهمت في حل مشكلات العمل والتعليم أثناء الأزمة.

إن الذهاب للمستقبل لن يكون بانتظار الفرصة أن تأتي وتمر علينا من تلقاء نفسها إنما من خلال البحث عنها وايجاد طريقة للتعامل معها مهما كانت معقدة فلابد للعقل البشري أن يتكيف مع بيئته التي تحيط به. فالعقل البشري يرقى ويتطور كلما وجد بيئة مُناسبة ومحفزة تساهم في تحقيق أفكاره،ولا شك أن لدينا من العقول التي إن وجدت الاهتمام والرعاية لتقدمت بنا وقد نصل إلى ركب التقدم الذي ننشده بأسرع مما نتصور، نظل نراوح أماكننا ولم ندرك كيفية رعاية العقول المبدعة من أبنائنا ببساطة لكثير من الأسباب التي أوجدناها نحن فمنها طريقة النظرة للمجيدين دراسياً على أنهم فقط هم المبدعون ونهمل أصحاب الملكات والمبدعين بالفطرة الذين يحتاجون فقط للتوجيه والدعم. كذلك عدم وجود برامج حقيقية لرعاية الموهبين من الصغر وإن وجدت غير مجدية لأنها بالأساس تصميمها غير فعَّال وقد يكون بعض القائمين عليها غير قادرين على الإحاطة بالمبدعين وللأسف في بعض الأحيان قد تظهر ملكات الإبداع في بعض المشاريع البسيطة التي يتم رعايتها في بعض المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها تعتمد على تركيب وتصاميم بسيطة يتم عملها في محلات تجارية متخصصة ونجدها معروضة على أنها اختراعات أبنائنا، وهنا نسلب مبدعينا الصغار تفكيرهم والسعي للاكتشاف والاختراع ونعلمهم الغش وكيفية الاعتماد على الغير في تحقيق أفكارهم. بلاشك أن المبدعين تتم رعايتهم وتوفير سبل تحقيق أحلامهم من أجل الرقي بالأوطان ورفع رايتها عالياً.

تعليق عبر الفيس بوك