عمرو عبد العظيم
باحث في تكنولوجيا التعليم والذكاء الاصطناعي
مدير مدرسة المنارة العلمية
تناولنا في مقالات سابقة التعليم بتقنية الواقع المعزز الذي يقرب إلى الطالب المشاهد المتواجدة في البيئات البعيدة عبر ربطها بواقعه الصفي من خلال كتابه الورقي أو صورة واقعية مطبوعة، وسردت في مقالِ آخر كيفية الاستفادة من التعلم القائم على الواقع الافتراضي وطرق توظيفه لتحسين بيئات التعلم، وجعل تعلم الطلاب أكثر متعة وفائدة، محاكيًا الألعاب الافتراضية التي اعتاد عليها طلاب هذا الجيل الرقمي، وكان المقال الأخير في هذه التقنيات حول التعلم بتقنية الواقع المختلط الذي يقوم على دمج مفهومي الواقع المعزز والافتراضي بتقنية فريدة تحقق أكثر استفادة من توظيف التكنولوجيا الرقمية في المواقف التعليمية والتي لا تضاهى في جذب انتباه ومشاركة الطلاب ومساعدتهم على إنجاز المشروعات العلمية التي تسند إلى العمل المشترك ضمن فريق من الأقران.
وفي هذا المقال يتسع المفهوم بشكل موسع ليشمل الثلاث تقنيات مجتمعة (الواقع المعزز والافتراضي والمختلط) في تقنية "مذهلة" بمعنى الكلمة تسمى تنقية الواقع الممتد XR -Extended reality وتهدف هذه التقنية إلى الاستفادة من تشارك وتفاعل الإنسان مع الأجهزة المحوسبة من ناحية ومع نظرائه البشر المتواجدين في أماكن أخرى عبر اتصالات مرئية ومسموعة تجمع الطرفين في لقاء مُباشر يحاكي اللقاء الحقيقي بدقة عالية تجعل من يُشاهد اللقاء وكأنهم في مكان واحد، وهذا ما شهدته عندما رأيت لقاءً بين كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية ونظرائهم من قادة دول العشرين، حيث تمَّ ذلك عبر أستوديوهات للواقع الممتد، حيث تم استخدام تقنيات ثلاثية الأبعاد ودمج بين أعضاء المؤتمر وكأنهم في قاعة اجتماع واحد مما أثار دهشتي وجميع من تابع هذا المُؤتمر الفريد من نوعه.
ونرى في هذا المشهد أن التكنولوجيا تتسارع باستمرار في إنتاج أفضل الأدوات التي تسهم في توسيع خيارات البشر وجعل حياتهم أسهل ومعيشتهم أكثر يُسرًا، ففي ظل هذا التسارع تحاول جميع المجالات تحقيق الاستفادة من الحلول التكنولوجية في تنمية أعمالها وتقديم أفضل الخدمات للمستفيدين. وكذلك على صعيد التعليم يتم الاستفادة من التقنيات التي تنتجها شركات التنقية ومراكز البحوث بهدف توظيفها في إطار يسمح بمزيد من التفاعل لدى الطلاب وترسيخ المفاهيم وجعل التعلم أكثر متعة وفائدة.
فعلى الجانب الآخر كلنا يعلم ما يعانيه التعليم من أزمة حالية بسبب جائحة كورونا أصبح التعلم عن بُعد والتعلم المدمج هو الخيار المناسب للتغلب على هذه الأزمة، فهنا أكثر من مليار طالب وطالبة من جميع المراحل التعليمية تغيرت طريقة التعليم في مدارسهم بسبب جائحة كورونا التي جعلت التعليم عن بُعد خيارًا لا مفرّ منه. وتبيَّن من خلال هذه الأزمة أن التعليم المُدمج صار الأسلوب السائد في هذه المؤسسات، كونه فعَّالاً، ويفضله أغلب الطلاب، كطريقة تعليم مُحفِّزة، ومن هنا يصبح توظيف تقنية الواقع الممتد أكثر فاعلية في برامج التعلم عن بُعد، وستساعد يقينًا في تحفيز الطلاب على متابعة برامج التعلم عن بُعد أثناء تواجدهم في منازلهم وتقل نسبة تغيبهم عن تلك الحصص والمحاضرات التي تتم عبر الإنترنت.
وعند تطويع الواقع الممتد في تصميم مواقف صفية افتراضية تحقق مستوى المعرفة المطلوبة، وتحاول تعزيز المهارات العملية التي يمكن للطالب محاكتها عبر تلك التقنية، وتسهل على المعلم في نفس الوقت تقييم أداء الطالب وإعطائه التغذية الراجعة المناسبة الفورية والتي تسهم في تعزيز وتطوير تلك المهارات التي يتضمنها المحتوى التعليمي، وإذا نظرنا إلى الجانب الوجداني كمون ثالث في المنظومة المعرفية للمنهج الدراسي بعد المكون المعرفي والمهاري نرى أنه يُمكن تعزيزه أيضًا بتقنية الواقع الممتد من خلاص تصميم وإنتاج قصص رقمية افتراضية يشارك فيها الطلاب على اختلاف أماكن تواجدهم ويقومون بتمثيل أدوارها، وعمل مسرحيات تعليمية تعزز مفهوم تربوي رصين ألا وهو مسرحة المناهج ولكن في هذه الحالة ستكون مسرحة تلك المناهج بطريقة رقمية تفاعلية تخطف تركيز وانتباه الطلاب وتضمن استمرار نشاطهم.
فمن خلال الانطباع الأول عندما شاهدت المؤتمرات القائمة على تقنية الواقع الممتد نَقلتُ في مخيلتي هذه الصورة مباشرة على الصف الدراسي الافتراضي وكيف ستكون ردة فعل الطالب في هذا الموقف الصفي، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ مدى دهشة وتفاعل الطلاب عندما يلتقون عن بُعد مع معلمهم بواسطة هذه التقنية التي ستجعلهم يشعرون وكأنهم في المدرسة ولديهم المزيد من خيارات التفاعل والمناقشة والعمل التعاوني وغيرها، فبالرغم من أن تلك التقنية تحتاج تكلفة عالية إلا أنه نأمل مع الوقت والمزيد من الأبحاث أن تقل تكلفتها ويصبح تصميمها وإنتاجها أكثر سهولة لخدمة قطاع التعليم بإذن الله تعالى.