شركات التقنية الكبرى ونموذجها للعمل

علي الرئيسي

تفاجأ الكثيرون عندما أغلقت شركتا تويتر وفيسبوك حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعد غزو أنصاره لمقر الكونجرس الأمريكي، كما اتهمته الشركتان بالتحريض على العنف، وبات واضحاً القوة والسلطة اللتان تتمتع بهما مثل هذه المؤسسات، حسب مقال الاقتصادية مارينا مازكاتوفي "بروجكت سنديكت"، وهوما حذرت منه أيضاً البروفيسورة شوشانا زوبوف في جامعة هارفارد، مؤلفة كتاب "الرقابة الرأسمالية".

نموذج الاقتصاد الرقمي يعتمد على تجميع البيانات واستخراج قيمة من تلك البيانات عن طريق توظيفها في الإعلانات المختلفة واستقراء سلوكيات الزبائن. القرار الذي تم اتخاذه في حق الرئيس ترامب أعاد الجدل مرة أخرى حول سلطة وقوة منصات التواصل الاجتماعي وشركات التقنية، ولم يعد تجاهل هذه الهيمنة، وبالذات لشركات التقنية الخمس يمكن الاستمرار في تجاهله، هذا إلى جانب التحدي الذي خلقته لمؤسسات محاربة الاحتكار التقليدية. وأصبحت هذه الشركات فعلا تملك الكثير من القوة والسلطة السياسية، لاشك أن الحوار حول هذه المسألة في بدايته.

إنَّ القيمة السوقية لخمس شركات تقنية أمريكية مجتمعة (ألفابت المالكة لجوجل- أمازون- أبل- فيسبوك- مايكروسوفت) ارتفعت بمبلغ 2.7 مليار دولار في عام 2020. وبإضافة تسلا إلى مؤشر ستاندرد آند بورز (ببورصة وول ستريت) فالشركات العملاقة الست تشكل حوالي الربع من قيمة المؤشر المذكور. ومع انتشار كوفيد-19 أصبحت هذه المنصات الرقمية هي المزود الرئيس لمعظم السلع والخدمات وخاصة للمناطق النائية، وهذا أدى إلى زيادة الضغوط الرقابية على هذه المنصات والشركات، بل ثمة إجماع متزايد على أن هذه المنصات تستغل قوتها السوقية وذلك بزيادة أرباحها عن طريق استغلال خصوصية الزبائن، ومحاربة التنافسية، وشراء الشركات المنافسة.

في ألمانيا صدر قرار مؤقت من المحكمة الفيدرالية ضد شركة فيسبوك والذي مثّل سابقة في موضوع تعطيل الحصول على البيانات الشخصية، وفي المملكة المتحدة تم تشكيل لجنة خبراء لتحقق فيما إذا كانت هناك ضرورة لتفكيك الشركات العملاقة مثل جوجل، وكيف يمكن تقوية قدرات المُؤسسات التشريعية والرقابية؟ كما تدرس الحكومة الأسترالية عددا من المقترحات والتشريعيات الرقابية التي ستحدد اتجاهات الحكومة نحو هذه الصناعة. وفي الاتحاد الأوروبي تم اقتراح قانون للخدمات الرقمية، وقانون آخر لسوق الخدمات الرقمية، وذلك لإصلاح كلي لأنظمة الحوكمة الرقمية.

أما منظمة التعاون الأوروبي، فإنها تسعى إلى استحداث معايير عالمية لقياس القيمة التي تنتج من الاختراعات الرقمية. وفي الولايات المتحدة الامريكية هناك تقصٍ طويل الأجل من قبل لجنة في الكونجرس، وقد توصلت كمثيلتها في الاتحاد الأوروبي إلى أن شركات التقنية العملاقة لا تمارس عمليات ضد التنافسية فحسب؛ بل إنها حشدت كثيرا من السلطة والنفوذ بحيث لابُد من إجراء تحقيق شامل.

طبعاً هناك من يطرح أنه لابد من عملية توازن بين حماية خصوصية الزبائن، وعدم إخماد وتقنين عملية الإبداع والابتكار، كما تجب الإشارة إلى أنه منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 هناك نوع من التأثير وتبادل مصالح بين هذه الشركات والحكومة العميقة في الولايات المتحدة وذلك فيما يسمى بعملية محاربة الإرهاب والدور الذي تؤديه هذه الشركات في عمليات الرقابة وتمرير المعلومات.

تعاني دول الخليج من ضعف في البنية الرقابية والتشريعية عندما يتعلق الموضوع بالرقابة على شركات التقنية الكبرى، لذلك قد يكون من الضروري توحيد جهود دول المجلس وذلك بأن تتبنى الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ذلك من خلال لجنة خبراء تقوم باستحداث التشريعات وخلق وسائل الرقابة اللازمة وذلك بالاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وقد تكون هذه خطوة نحو إعادة تنشيط التعاون التقني والفني بين دول المجلس، كما إن التفاوض المشترك يعطي قوة تفاوضية ولاسيما أن هذه الشركات تملك إمكانيات تفاوضية لا يستهان بها.