المعرفة ولدت دكتاتورية التكنولوجيا

 

د. محمد بن عامر العمري

مع التطور المتصارع في التقنية الحديثة التي نتيجة تطور المعرفة واعتمادها على مخرجات لم تكن موجودة مسبقاً، فقد تدفقت مصطلحات جديدة في المعرفة حلَّت مكان مصطلحات كانت شائعة قبيل فترة وجيزة، فقد كانت العولمة والشبكة العنكبوتية وما ارتبط بهما من مصطلحات ثورة مفاهيمة لنا قبيل سنوات قليلة مضت، أما حالياً فقد تقهقرت هذه المصطلحات أمام مصطلحات أخرى جديدة كالذكاء الاصطناعي وتعليم آلة والتعلم العميق وتحليل البيانات.

ما شد انتباهي لهذا الموضوع متابعتي لوزير الذكاء الاصطناعي الإماراتي الشاب عمر سلطان؛ حيث يعد منصبه من أحدث المناصب في المنطقة إذا ما كان في العالم وتعول عليه دولته الكثير لتحقيقه في هذا المجال ولديهم خطط وأهداف لتحقيقها. نأمل مثل هذه التجارب أن تكون ذات امتداد معرفي للمنطقة كاملة، فهي أفكار خلاقة عادة ما تتسم بالجرأة والخيال معاً.

الذكاء الاصطناعي هذا المصطلح الذي يكاد يتكرر بشكل مُستمر لدرجة رسوخه في أذهان الجميع على الرغم من أنَّه غير محدد الملامح لدى البعض وقد يكون سهلا ممتنعا فغالباً من يستخدم هاتفا ذكياً فإنِّه مستخدم للذكاء الاصطناعي كذلك ومن يستخدم آلة ذات نظم محاكاة معينة فإنه يستخدم الذكاء الاصطناعي وقد يكون التعريف البسيط للذكاء الاصطناعي هو قدرة آلة على التعلم سواء من خلال المدخلات التي يتم تزويدها بها أو من خلال قدرة الآلة نفسها من خلال تطورها والاعتماد على نفسها في تعلم وإنجاز المهام المطلوبة منها.

وتعلم الآلة هو مصطلح آخر يظهر في أفق الثورة المعرفية الحديثة، فالطبيعي أن الآلة غبية لا تستطيع الوصول لما نريده بدون الرجوع إلى البيانات أو المدخلات المزودة بها مسبقاً وهي بذلك تنفذ وفق المعطيات السابقة. ولكنها تساهم في حفظ معلومات لا متناهية لا يستطيع العقل البشري الإحاطة بها وبذلك كانت المراحل الأولى لتجربة تطوير قدرات ومهارات الآلة التي تعتمد فقط على التلقي، فلا تستطيع القيام بعمليات مباشرة إذا حدث فيها بعض الأخطاء البسيطة لأنها غير مبرمجة ضمن البيانات المدخلة لها.

التعلم العميق هو تطور لمفهوم تعلم الآلة الذي كان مرحلة أولى لتعلم الآلة حيث تطورت فيها المفهوم من إدخال البيانات إلى البحث عن حلول لمعطيات جديدة كانت في السابق تعد من المعضلات التي لا تستطيع الآلة القيام بها إلا بمساعدة الإنسان. فالتعلم العميق يعد مرحلة متطورة لتعلم الآلة فأثناء البحث عن معلومات معينة تجد الآلة تعطيك خيارات جديدة ذات نفس الطابع البحث أو ذات صلة به وكذلك تصفح في بعض التطبيقات سوى على الإنترنت أو من خلال تطبيقات الجوال. وقد تم الاستفادة من التطور في بعض الجوانب فالكم الهائل من البيانات يتم تجميعها وتحليلها ونتائجها يتم استخدامها في الحملات الترويجية وتحسين العائد في الاستثمار وقد تتغير مثل هذه الأمور إلى ما هو أذكى من ذلك في المستقبل بوضع خيارات موجهة أكثر وذلك إذا تم إضافة أفكار وعمليات تحاكي القدرات العليا لتفكير البشر الذين يجعلوننا نتجه في مسارات معينة موجه على الرغم من أنها في ظاهرها تتيح خيارات.

مدى تأثير ثورة الذكاء الاصطناعي على التعليم في مختلف مراحله ودرجاته وتغير جميع أنماطه، بحيث ترتب عليه توقعات مستقبلية لمدى قدرة الإنسان على التكيف مع المتغيرات التي قد تحدث في التعليم من حيث الشكل العام له وكذلك ما قد يطرأ على الجوهر الداخلي للتعليم الذي قد يُؤثر بشكل مُباشر على الوظائف المستقبلية التي سوف تتغير وفقاً للمعطيات الجديدة والتي تعتبر نتائج الحرب التي سوف يشنها ثورة الذكاء الاصطناعي على الوظائف السائدة حالياً. فمهن الطب كما يُشاع من خلال التوقعات أن الآلة الذكية تستطيع القيام بالكثير من العمليات الجراحية بدقة متناهية تفوق نسب النجاح لدى الأطباء البشر كذلك كثير من الوظائف المكتبية قد تختفي بشكل نهائي. تبقى فقط المدة التي قد تستغرقها مقاومة الوظائف الحالية للوظائف المستقبلية والتي سوف يطرأ عليها التغيير إما شاملا أو جزئيا.

أين نحن في التعليم من التطور الهائل القادم، التعليم الجامعي أو العالي عليه أن يُواكب ما سوف سيحدث ويستعد من الآن لهذه العاصفة التي سوف تهب على التخصصات الحالية التي يفترض نعهدها لعشرين عام قادمة؛ فالاحتمال الأكبر أن 2030 سوف يشهد بدء التغيرات الجذرية للوظائف الحديثة.

تعليق عبر الفيس بوك