رخيوت.. قلعة الصمود ومفتاح النصر

علي بن سالم كفيتان

alikafetan@gmail.com

لطالما تغنى الرعاة الحالمون في سفوح أمبروف وشيرشتي ومرتفعات رأس ساجر وخيص بن عثمان بأجمل كلمات النانا التي تبعث الحنين والحب معاً ينتابني شعور مهيب عندما أصعد إليها مودعا عيريب أداهاش (موقع في أعلى المرتفع يشتهر بأشجار محلية تسمى العريب)، وعرف عن هذا المكان أنه ملاذ الخائفين، فمن بلغه دخل بوابة السلامة، وخرج من حدود الملاحقة أكانت قبلية أو حكومية لفترات غابرة؛ فالمنعة تكمن هنا ودور الكرم والكرامات لا تنتهي في رخيوت.

يقال إنَّ السلطان تيمور بن فيصل عندما زار رخيوت على رأس قافلة من شيوخ ظفار عام 1925 طلب أن يرى موقع (عريب أداهاش)، ويقال إنه أناخ ركابه في أجدروت فأكرمه رجال ليس بينهم وبين الله حجاب؛ حيث أرخت السماء أبوابها لدعواهم فانهمر المطر في يوم صيف لاهب؛ فقرر السُّلطان إعفاء أصحاب الكرامات من الضرائب التي كانت تؤخذ على النَّاس في تلك الحقبة.

ازدهرت رخيوت في كنف شيخها عوض بن محاد السعدون فصارت بوابة الغرب الأخضر الجميل حيث يتم تصدير اللبان والمنتجات الحيوانية والزراعية مقابل محاصيل أخرى تحتاجها رخيوت، وأرشيف القلعة عامر بالمكاتبات التي توثق حراكا اقتصاديا وسياسيا نشطاً بين سلاطين عُمان ومشايخ رخيوت ووجهائها، ولا زالت أطلال رخيوت القديمة شاهدة على هذا الحراك الذي لم يهدأ لعدة عقود؛ فظلت تلك البقعة مشرقة في جبل القمر تطل على المحيط معلنة عن وجود حياة هادئة وهانئة ساد فيها الاحترام المتبادل بين الناس وتكاملت الأدوار لصنع حضارة إنسانية في رخيوت، قد ينظر البعض اليوم لتلك الرقعة الجغرافية البسيطة على البحر ولا يعير اهتماماً لما جرى هناك من أحداث، وقد يتنكر البعض- للأسف- فيذهب بعيداً واصفاً المكان بأنه أصبح لا يتناسب مع متغيرات العصر متناسيا الحجم الهائل من الفرص والتضحيات التي بذلت في رخيوت.

تمنيت ألا نطالب يوماً بميناء لرخيوت فكيف وهي كانت مرفأ الحياة لكل قاطني جبل القمر وهي بُرور السلامة لمن هاجت به الحياة وضاقت به الأقدار، في وقت كان الخوف هو سيد المرحلة. كيف يتم نسيان الدماء التي سالت زكية وطاهرة على سفوح القمر؟ وكيف بنا أن ننسى قصائد فهد بلان أيام الحرب عندما كان يتغنى بسفوح رخيوت؟ هنا حضر الجميع لتحرير الأرض، ومن هنا أعلن السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- النصر عام 1975، كيف لا يوجد بهذه الولاية ميناء ولا محطات وقود ولا بنوك وهي على الطريق الدولي لجمهورية اليمن؟ ربما ظلمها أهلها الذين تولوا زمام المبادرة في بداية العهد، فانطلقوا إلى ذواتهم أكبر من ذاتها فيتذكرونها عند حاجتهم لمقاعد الشورى فحسب فأصبحت بعد 50 عاماً قرية صغيرة لا حراك فيها.

من حق رخيوت أن تنعم بمزيد من التنمية، ومن حق رخيوت أن يتم إحياء مينائها القديم، ولا أقول بناء ميناء جديد، ومن حق رخيوت أن يشق لها طريق بحري يربطها بحاضرة الجنوب صلالة ويصلها بآخر محطات الوطن ضلكوت، ومن حق رخيوت أن تنعم بكل سبل التنمية مثل كل ولايات الوطن، وقبل كل ذلك يجب أن يتصالح إنسانها مع نفسه ويسمو فوق الخلافات الشكلية التي تعطل شرايين التنمية؛ فالأرض لله والسيادة عليها للدولة، مع احترام الأعراف السائدة بين الناس.