حل نهائي لظاهرة هروب العمالة

ناجي بن جمعة البلوشي

كُتب عن هذه الظاهرة الكثير والكثير من المقالات، لكنَّها ربما كانت خارجة على نصوص الحلول التي تُوصلنا إلى نهاية لهذا المسلسل المتجدِّد في كل يوم، دون وضع أي حد أو نهاية له، فمع استمرار هذه الظاهرة تكثُر وتتعاظم السلبيات الناتجة عن أثرها على السلطنة في نواحٍ متعددة: محلية منها ودولية، لدى دول بعينها أو لدى منظمات حقوقية، وكثيرة هي تلك السلبيات التي تكبِّد السلطنة ومواطنيها خسائر مادية ومعنوية اقتصادية كانت أو اجتماعية، كما وبوجُودها تهمَّش دور الدولة في صون حقوق الانسان وكرامته وتغير نظرة المجتمعات الآخرى لما أتى به الدين الحنيف في التعامل الإنساني كالممارسات الأخلاقية عند استغلال أولئك الهاربين في أعمال تقشعرُّ لها أبدان المسلمين.

وإذ إن الأمر في أصله لا يتعدَّى سوى كونه رغبات لصالح أناس أعماهُم الجشع، فلا توجد في قلوبهم مكارم من الأخلاق، ولا نزعة دينية تُوقفهم عند حدود التوقف، وكل ما يهمُّهم بهذه الأعمال اللانسانية هو المال الدنيوي، فيتاجرون بهذه الأجساد كأنها بضاعة صالحة للبيع والشراء في أسواقٍ يصنوعنها ويشيدونها من الخيال الشَّيطاني، إنَّهم ليسوا من أبناء الوطن ولا من مِلة دينية بعينها، لكنهم من الوافدين إليه بأفكار الكسب السريع والريع المريح، فتجدهم يُمارسونها وراء كواليس الأعمال والممارسات الشرعية لتصل أعمالهم إلى أدنى نقطة من مُستويات التحلُّل الأخلاقي والهبوط الإنساني في أعمال منافية للأخلاق، وجرائم تعد اعتداءً على الوطن وأبنائه قانونا، يتم ذلك عندما يتحدثون إلى أبناء جلدتهم بلغاتهم ومفاهيمهم، فيغرونهم بالمال والكسب السريع، وبلوغهم القمة من أثر هذه الممارسات الخاطئة في حقهم كأناس من بني البشرية الآدمية التي حرم الإسلام على اتباعه أن ينتهجوا مثل هذا النهج والطريق.

لا تُوجد مُؤشرات حقيقية تُعنى بماهية الأسباب التي تؤدي إلى ذلك الهروب، إلا أنها ربما تكون من تخمينات المختصين والملامسين لتلك الحالات، فيضعونها بين سببيْن مُرتبطين بالعمل وعقود الأعمال، وهي في نظري ربما تكون صوابًا، لكنها ليست كل الصواب؛ فالعمال الوافدون إلى أرض السلطنة، وبعد أن وصلت تقنية الاتصال اللاسلكي الى السلطنة في العام 1996م، جميعهم يملكون حسيات وممكنات الاتصال بأهلهم وذويهم في دولهم وبلدانهم، فكيف لهم أن يتواصلوا مع أهلهم ويتوقفون عن الاستفسار عن مكان سفارة بلدانهم أو مباني الرعاية العمالية أو مراكز الشرطة أو مقار المحاكم لتقديم أي نوع من أنواع الشكاوى العمالية والانتهاكات الإنسانية الحقوقية، نعم هناك من يُسرِّحون العمال في أرجاء السلطنة وينتظرون منهم الإتاوات المالية الشهرية، فإذا انقطع بينهم الاتصال والتواصل، أو قبل هذا الانقطاع إذا بهم يُبلغون عنهم كعمال هاربين، كما أنَّ هناك من يعانون دفع الأموال وخسارة الوقت من أجل الاستفادة باستجلاب عمال للعمل معهم، فإذا بهم يهربون من أول الأيام، ليضعوهم في معمعة قلة الحيلة والاستفادة.

إذن؛ هناك أنواع من طرق الهروب لأولئك العمال، إلا أنَّ هناك فقط معالجة وحلًّا واحدًا لكل هذه الأنواع لدى الجهة المختصة، وهو الإبلاغ عن الهارب، وإيداع مبلغ تذكرة السفر من جانب صاحب العمل، ومن جانب أخر غرامة إلزامية مفروضة يدفعها العامل الهارب عند ضبطه في أي مكان، فإن لم تتوافر معه هذه الغرامة أُخلِي سبيله ليعود إلى صفوف الهاربين ويكون في موقعه الذي كان فيه.

مؤخرا، قامت الوزارة بفترة سماح لأولئك العمال الهاربين لمغادرة السلطنة من مجرد فقط دفع قيمة تذكرة السفر، والتي أساسا قام بدفعها صاحب العمل في أول يوم تسجيل بلاغ الهروب، سَجَّل بموجب هذا السماح عددٌ يُقارب الـ50 ألفا منهم ليغادروا السلطنة، لكنَّ الباقين في مواقعهم حتى يومنا هذا أكثر من ذلك العدد بأضعاف مُضاعفة لعدم وجود أي حل حقيقي لإنهاء وجودهم في السلطنة، فتجدهم أكثرَ الناس استفادةً من الكسب، فلا هم مقيدون في سجل دافعي الضرائب أو ملزمين بتوظيف العمانيين، أو تجديد تراخيص العمل أو  التراخيص الأخرى، أو عليهم تجديد الإقامة وبطاقة المقيم ولا أي شيء من أمثال هذه المدفوعات التي يدفعها أصحاب الأعمال على من معهم من عمال، فوق هذا هم يعملون مُنافسين لكل أنواع الأعمال وفي كل أرجاء السلطنة، هذا طبعا إن كانوا ممن يعملون بالكسب العلني. أما من يعمل في الكسب الخفي كالعاملين بأعمال منافية للأخلاق ومُخِلَّة بالآداب، أو بائعي الخمور، أو المهربين للممنوعات أو غيرهم؛ فهم يعملون بكل أريحية ما لم يسجلون في جُنحة أو جناية قانونية تلتزم إلقاء القبض عليهم، وإحالة ملفاتهم للجهات القضائية.

ولأن الوزارة المعنيَّة ربما قد تكون غير قادرة على إنهاء هذا الملف الكبير، وهو ملف يهمُّنا جميعا أبناء الوطن الواحد، فإننا سنضع هنا خارطة طريق لإنهاء هذا الملف وما يتعلق به إلى الأبد، سائلين الله التوفيق في ذلك، ومن الجهات المعنية التعاون مع هذا الطرح، والاستجابة له لما يحققه للصالح العام.

بداية نقول.. إذا كانتْ العلاقة بين العامل وصاحب العمل مُقيَّدة بترخيص العمل الممنوح لصاحب العمل من الوزارة المعنية من أجل استجلاب عامل ما لمهنة ما من خارج السلطنة، فإنَّ هذا الترخيص ينتهي فورَ إنهاء صاحب العمل تسجيل معاملات إبلاغه عن العامل الهارب عنه، ليكون العامل الهارب بعدها في سجل الهاربين المقيمين في السلطنة بإقامة غير شرعية وغير مرخصة .

هذا يعني أنَّ الجهات المعنية بالإقامة والجوازات هي المسؤولة عنه فور هذا الانتقال بعد نقل ملفه من الوزارة إليها، ولأنَّها جهة أمنية باستطاعتها فرض أي نوع من أنواع المحافظة على الأمن العام، فإنه يمكن لها توقيف وتفتيش وفرض نقاط سيطرة وتحكم للوصول إلى الأفراد الهاربين والمقيمين إقامة غير شرعية، لتنقلهم بدورها إلى بلدانهم، وهذا الإجراء سيكلف هذه الوحدة العسكرية الأمنية الكثير من الطاقة الإدارية والمالية والعملياتية وغيرها من أمور الوصول للهدف، وللتخفيف عليها فإنَّ وضع شرط دفع رسوم 50 ريالا مثلا لتحويل الملف إليها من قبل صاحب العمل سيكون مناسبا لها ولصاحب العمل، إضافة لما يُدفع سابقا من قيمة تذكرة السفر.

الجهة العسكرية الأمنية هذه هي أيضا موجودة في منافذ الدخول الحدودية التي يدخل منها كل العمال إلى السلطنة، وهنا يكون عليها مهمة منح العمال القادمين ما يُفيد من إرشادات ولوائح تنظيمية وعناوين وأرقام هواتف وغيرها من الإرشادات التي تساعد العامل في التوجه إلى الجهة المعنية في حالة رغبته بأي بلاغ.

من هذا يتبقَّى لدينا أولئك المسجل هروبهم بعد أن تمَّ تسريحهم، ولحل هذه الإشكالية يُمكن وضع من بين العناوين وأرقام الهواتف، رقم تحديث بيانات الهاتف النقال كل ثلاثة أشهر، وهو الذي يتلقَّى فيه العامل بلاغَ الهروب كنسخة إلكترونية على هاتفه وتكون لِزَامًا من بين إجراءات إنهاء معاملة البلاغ المقدم من صاحب العمل، عندها لا يُوجد أي عذر لأي من الاثنين في مثل هذه الإجراءات.

المرجو من هذه الإجراءات يتمثل في الاستفادة التي ستعم الجميع -المواطن والمقيم- لأنَّ هذه الظاهرة ستنتهي، وسيبقى صاحب العمل والعامل في نطاق العمل وعقود الأعمال المختصَّة بشأنه هذه الجهة المختصة.