الكفاءات.. والهدف الكبير؟!

حمد بن سالم العلوي

لقد ظللنا ننتظر بفارغ الصبر ما ستتمخَّض عنه التشكيلة الوزارية الجديدة، خاصة الوزارات الخدمية منها، وذلك بما تُمثله من خدمات يرى المواطن أنها ستكون مختلفة عمَّا سبقها من خدمات وزراية قبل إطلاق الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، فأتت المبادرة من وزارة العمل، وهي تُمثل معاني كثيرة للجميع، وقد استلزم الأمر عقد مُؤتمرات أخرى توضيحية عبر الأثير لشرح المؤتمر الصحفي الأول.

فعُقِد لقاء ثنائٍ بين مذيع قناة الوصال وسعادة الشيخ نصر بن عامر الحوسني وكيل الوزارة للعمل؛ فظللتُ أتباع التوضيح والشرح لفترة ساعة تقريباً، ثم انتقلت بعد ذلك إلى قناة مسقط FM؛ حيث استضافَ مُذيعها في هذه المرة صاحبيْ السعادة وكيليْ الوزارة، ليكون المؤتمر ثلاثيَّ الأشخاص هذه المرة، وكل ذلك بهدف توضيح ما لم يكن واضحاً في المؤتمر الصحفي العام للوزارة، الذي عقد يوم الأربعاء الماضي الموافق 27 يناير 2021.

إذن؛ لقد كان هناك غموض شاب العرض الأول، فاستدعى الأمر التوضيح من المعنيين لذوي العلاقة وهم بالطبع كثر؛ لأن الأمر يتعلق بأرزاق الناس، أكان ذلك على مستوى الفرد أي "الباحث عن عمل" أو الجماعة المتمثلة في المؤسسات الحكومية ومؤسسات وشركات القطاع الخاص، ولأنني لم أحضر المؤتمر عينه، فقد تعوَّدت أن أتلقى الدعوة من الجهة المعنية عبر الهاتف أو (الواتساب) يوم كانت وزارة النقل والاتصالات تعقد مؤتمرات سنوية وفصلية، وذلك قبل زمن كورونا، وكذلك شركة "حيا للمياه" ولا مؤسسات غيرهما كانت تعقد مؤتمرات، لتوضح للناس حجم ما يقومون به من عمل، ومن باب الحيطة لم أذهب إلى المؤتمر خوفاً مما قيل "من يأتي بلا دعوة يجلس بلا فراش"، أو بلا كرسي لا فرق، يقيناً مني أنَّ الذي لا تأتي به الأبواب المفتوحة من معلومات، ستأتي به وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن من المفيد هنا، أنَّ الكل أجمع على شيءٍ واحد، ألا وهو "الكفاءة" فمقدمو العرض وهم وزارة "العمل" يؤكدون على الكفاءة، ومقدمو الطلب وهم "القطاعان" العام والخاص، يؤكدون كذلك على الكفاءة المقرونة بالخبرة، وإن بعض المعنيين وهم "الأفراد" يؤكدون على اكتساب الخبرة، أما الغالبية العظمى فيتساءلون ما مصيرهم إن كانت لديهم الشهادة العلمية، ولكنهم لم يجدوا الفرصة لاكتساب الخبرة اللازمة، وهنا تكمن المعضلة بين العرض والطلب، فمن يا تُرى سيتولى حل المعضلة بطريقة علمية دون أن تفوت الفرصة على الجميع؟!

تُرى، هل تكفي المشاريع التي قُدِّمت أثناء الدراسات الأكاديمية في الجامعات كخبرة، فهي كانت خليطا بين النظريات والتطبيق، فلماذا نشترط الخبرة، ونجعلها عُقدة العقد؟! ونحن نعلم أن العمل يبدأ بـ"6 أشهر تجربة" أليس ذلك كافياً حتى تُقيِّم المؤسسة جدية الفرد في العمل؛ وذلك من خلال الممارسة الفعلية، فتُحكم الوظائف بهذه التجربة، فإما أن ينجح ويستمر في العمل، أو تُمدُّ له فرصة التجربة فترة أخرى مماثلة، وبعد ذلك إما أن يثبت، وإما أنْ يقال له مع السلامة، بشرط أن يكون فريق التقييم وطنيا وذا كفاءة وثقة.

ثم إنَّ هناك أمراً آخر ذا أهمية كبرى، وهو تدوير الموظفين، خاصة في القطاع العام، فقد ألِفنا موظفين في وزارة من الوزارات يظلون يمثلون جزءا من ملامح نفس الوزارة، وهذه سلبية كبيرة، وتخلق عقما في التطوير والابتكار والإبداع، وعلى وجه الخصوص تلك الفئة من الموظفين من الذين إذا ذهبوا في الإجازة السنوية، وعادوا إلى العمل ووجدوا بابَ المكتب قد غُيِّر من مكانه إلى مكان آخر، فإنهم يجلسون حيث كان الباب القديم، ينشدون المارة أينما ذهب المكتب الذي كان هنا؟!

إن الكفاءات التي ننشدها اليوم، قد وُئِدت مع الزمن، فهناك من تكفل بوأدها، وطمرها في باطن الأرض بكل ما أوتِي الضعيف من قوة، لأنَّه الصنف الذي وصلت إليه السلطة بالترقِّي الدوري يعشق الكرسي، فالكفاءات التي أتت من بعده تهدد بقاءه، وقد تخلص منها بالإبعاد القسري، وأعرف حالة أضعها هنا كمثال؛ في زمن من الأزمان أتى موظف عائدا من الغربة، فصار يعمل الصباح بهمة واجتهاد، وإذا تبقى شيء من عمله في ذلك اليوم، رجع في المساء ليُكمله، فأجمع بعض الزملاء ممن عُرفوا اليوم بـ"حزب الكنبة" على مُعاتبته وإحباطه، ووصمه بتهمة الرياء والنفاق، وضايقوه أيما مضايقة، حتى ملَّ كثرة المضايقات، فقال لهم يا جماعة أنا كنت في الغربة أفعل ذلك، فكيف لا تريدوني أفعل الشيء نفسه وأنا في وطني؟! فقيل له إنما بتصرفك هذا تخرب علينا عيشتنا!!

إذن؛ العمل الجماعي لن يأتي بالكفاءات والإنتاج الجيد، ولكن بوجود معيار للعمل ومقياس واضح لقياس جودة العمل، وأنْ يكون الحساب فرديًّا، وليس تضامنيًّا، وأن يسبق العمل تحليل واضح للمهام، وأن يكون العمل بالأهداف، وليس بالبصمة عند الباب، بمعنى أوضح أنْ يكون لكل موظف خطة عمل يومية وأسبوعية وشهرية وحتى سنوية، فيُطلب منه أن ينجز فيها مشروعا معينا يُربط بالوقت، وساعات العمل ليس بساعات الدوام، وعندئذ ستبرز الكفاءات وتُفصِح عن نفسها بسهولة ويسر.

إنَّ الذين اعترضوا على النعت بـ"حزب الكنبة" أحدثوا ضجَّة كبرى على صفحات التواصل الاجتماعي، ألا يدل هذا الاعتراض على أنهم أصبحوا أغلبية في العمل؛ وذلك نتيجة الغفلة الطويلة التي مرت عليهم، وهم على نفس الحال، أم أنهم كانوا يعتبرون السكوت عنهم من علامات الرضا، وإن أي تغيير على ذلك، سيقابله الرفض والتذمر، وهذا الذي جرى وتُدلِّل عليه كثرة الانتقادات، وكنت أظن أن يفرح المبدعون والمبتكرون بالمحاسبة، وربما فعلوا ذلك بينهم وبين أنفسهم، ولكن كونهم قلة لن تظهر أصواتهم كما ظهرت أصوات حزب الكنبة، لأنهم أصبحوا أكثرية قصوى، وإن المعالجة ستحتاج وقتا وجهدا وحكمة وصبرا وقرارا، حتى يستقيم العُود من الاعوجاج البيِّن.

وهناك مُؤشر آخر على اتساع الفجوة بين المسؤول والمجتمع؛ فعندما ضَرَبَ سعادة الوكيل مثلاً بأبنائه الذين لم يتوظَّفوا بعد، اعتبرها البعض نقطة شُؤم، فهذا البعض قال؛ إذا كان سعادته لا يستطيع أن يجد وظيفة لأبنائه، فكيف به أن يجد ذلك للبعيد؟! وهناك من لم يصدق المثل من أساسه، وهنا يدعونا الأمر إلى إيجاد مراكز للدراسات الاجتماعية، حتى نعرف إلى أين تأخذنا اتجاهات الرأي العام بعد فترة من الزمن؛ لذلك يتوجب علينا معرفة هذه الاتجاهات الإجتماعية، وأسباب تشظِّيها وتناسلها، وأسباب فقد الثقة البينية، وما هي مآلاتها في المستقبل القريب والبعيد.. حفظ الله عُمان وشعبها الأبيّ وسلطانها الأمين من كل سوء ومكروه.