مجلس عُمان ومستجدات النظام الأساسي

أحمد بن محمد الهنائي **

تباينت الأحكام الدستورية الخاصة بمجلس عُمان، بين النظامين الأساسيين للدولة لعامي 1996 و2021، ففي حين كان النظام السابق 1996 يتضمن بموجب التعديل الدستوري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 99/ 2011 العديد من الأحكام الخاصة بمجلس عُمان، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تكوين مجلسي الدولة والشورى، وفئات اختيار أعضاء مجلس الدولة، وطريقة انتخاب أعضاء مجلس الشورى، والشروط الواجب توافرها في التعيين وانتهاء العضوية، وأدوار انعقاد المجلسين، وغيرها من الأحكام. جاء النظام الأساسي الجديد 2021 متطابقاً مع بعض الأحكام في النظام الأساسي السابق 1996، والمعدل بالمرسوم السلطاني رقم 99 /2011، وإحالة النظام الأساسي 2021 للعديد من الأحكام الخاصة بمجلس عُمان إلى قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7 /2021، وذلك وفق البيان الآتي:

أولاً: تم النص على تكوين مجلس عُمان، في كل من: المادة (68) من النظام الأساسي للدولة 2021، وكل من المادة (58) من النظام الأساسي للدولة 1996، والمادة (1) من الأحكام العامة لقانون مجلس عُمان رقم 7 /2021، بالنص على أن: "يتكون مجلس عُمان من الآتي:

  • مجلس الدولة.
  • مجلس الشورى.

والبين من هذه النصوص التشريعية أنَّ النِّظام السياسي العُماني قد سلك في تكوين مؤسسته التشريعية (مجلس الدولة ومجلس الشورى)، مسلك الأنظمة ذات النظام النيابي الثنائي، وذلك على غرار العديد من الدول، أبرزها: النظام الرئاسي الأمريكي (مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، والنظام البرلماني البريطاني (مجلس العموم ومجلس اللوردات)، والنظام شبه الرئاسي الفرنسي (مجلس الشيوخ ومجلس الجمعية العمومية)، والنظام الملكي المغربي (مجلس المستشارين ومجلس النواب)، وغيرها من دول العالم.

ثانياً: تمت الإشارة إلى طريقة تعيين رئيس وأعضاء مجلس الدولة عن طريق التعيين، شريطة عدم تجاوز عددهم بالرئيس عدد أعضاء مجلس الشورى، وفق النصوص الدستورية رقمي (69) من النظام الأساسي 2021، والمادة 58 مكررا من النظام الأساسي 1996. وقد جاء النص الدستوري التالي لهذه المادة 58 مكررا  من النظام 1996، بتحديد الفئات التي يتم تعيين أعضاء مجلس الدولة من بينهم، في حين أحال النظام 2021 هذه الفئات إلى قانون مجلس عُمان 2021 في المادة (6) منه.

ثالثاً: ومن أوجه الشبه بين النظامين الأساسيين للدولة 1996و2021، كيفية تمثيل أعضاء مجلس الشورى وطريقة اختيارهم بالاقتراع العام السري المُباشر، وذلك من خلال المواد أرقام (70) في النظام الجديد، والمادتان 58 مكررا (8 و9) في النظام السابق. وقد أحال كلا النظامين إلى قانون الانتخاب تنظيم عملية انتخاب هؤلاء الأعضاء.

رابعاً: أما بالنسبة للجهة التي تشرف على انتخابات أعضاء مجلس الشورى والفصل في الطعون الانتخابية، فقد أناط النظام الأساسي للدولة بها إلى لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحيدة تكون برئاسة أحد نواب رئيس المحكمة العليا، وبالإحالة إلى القانون لبيان طريقة تشكيل واختصاصات ونظام عمل هذه اللجنة. وذلك بموجب كل من المادة (71) من النظام الأساسي 2021، والمادة 58 مكررا (14) من النظام الأساسي 1996.

خامساً: لقد أبانت النصوص الدستورية الواردة في المادة (72) من النظام الأساسي للدولة 2021، والمواد 58 مكررا (35 – 38) من النظام الأساسي للدولة 1996، وكذا النصوص القانونية الواردة في قانون مجلس عُمان، للمواد (47 – 50) و (52 – 54)، إلى اختصاص مجلس عُمان بإقرار وتعديل مشروعات القوانين، ومناقشة خطط التنمية والميزانية العامة للدولة، ولهذا المجلس بغرفتيه اقتراح مشروعات القوانين.

سادساً:  على خلاف المُتبع في قيام مجلس عُمان بمراجعة مشروعات القوانين، وكذا اقتراحها، يكون بموجب النظام الأساسي للدولة في كل من المادة (73) من النظام 2021، والمادة 58 مكررا (39) للسلطان إصدار مراسيم لها قوة القانون، وذلك في الحالات الآتية:

  • فيما بين أدوار انعقاد مجلس عُمان.
  • خلال فترة حل مجلس الشورى.
  • توقف جلسات مجلس الدولة.

وغاية المشرع الدستوري العُماني من ذلك، هو سد أي فراغ تشريعي، بحيث لا يُصار إلى تقييد الدولة في عدم القدرة على إصدار القوانين في حالات الظروف التي تمر بها السلطة التشريعية في مثل هذه الحالات. وبموجب هذه القاعدة الدستورية فإن إصدار المراسيم التي لها قوة القانون، قد جاءت محصورة ومحددة في هذه الحالات الثلاث، ومن ثم لا يجوز التوسع في القاعدة الدستورية، وإصدار مراسيم لها قوة القانون، في غير الحالات المنصوص عليها في النظام الأساسي للدولة.

سابعاً: جاء النص الدستوري للمادة (74) من النظام الأساسي للدولة 2021، بإحالة العديد من الأحكام الدستورية إلى قانون مجلس عُمان، وذلك على النحو الآتي:

  1. فترة مجلس عُمان: حددها النظام السابق 1996 في المادتين 58 مكررا (3) و(16)، والمادة (8) من قانون مجلس عُمان 2021، وهي ذات الفترات السابقة التي سار عليها النظام الأساسي السابق 1996 والمحددة بأربع سنوات.
  2. الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الدولة: نصَّ عليها النظام 1996 في المادة 58 مكررا (2)، والمادة (7) من قانون مجلس عُمان، وقد جاءت كل من النصوص الدستورية في كلا النظامين الأساسيين للدولة، والنص القانوني الوارد في قانون مجلس عُمان مُتطابقة، مع عدم إيراد شرط واحد فقط كان قد سبق النص عليه في النظام الأساسي السابق 1996 والمتعلق بألا يكون منتسباً إلى جهة أمنية أو عسكرية.

أما بالنسبة للشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الشورى، والواردة في المادة 58 مكررا (10) من النظام الأساسي 1996، والمادة (15) من قانون مجلس عُمان 2021، فقد تمت الإضافة في قانون مجلس عُمان، الآتي:

  • عبارة "في الولاية المترشح عنها" في عجز الشرط الخاص بأن يكون مقيداً في السجل الانتخابي.
  • إضافة شرط ألا يكون منتسباً إلى جهة أمنية أو عسكرية.

والبين من الشروط الواردة في مجلسي الدولة والشورى، أن المشرع الدستوري ارتأى عدم النص في النظام الأساسي للدولة الحالي 2021 على الشروط الواجب توافرها في أعضاء المجلسين. مع نقل الشرط الخاص بألا يكون منتسباً إلى جهة أمنية أو عسكرية من الشروط الخاصة بمجلس الدولة، إلى الشروط الواجبة في أعضاء مجلس الشورى.

  1. واجبات وحقوق العضوية: أسندها المشرع الدستوري في النظام الأساسي للدولة 2021 إلى قانون مجلس عُمان، والذي بدوره قام بإسنادها بموجب المادة (32) إلى اللوائح الداخلية لكل من مجلسي الدولة والشورى.
  2. الضمانات المقررة لعضوية مجلس عُمان: نصت عليها المادتان (28 و29) من قانون مجلس عُمان 2021، والمتمثلة في عدم مؤاخذة العضو بما يبديه أمام المجلس أو مكتبه أو لجانه من آراء أو أقوال، شريطة أن تكون في إطار اختصاصات المجلس. وكذا عدم جواز اتخاذ أي إجراءات جزائية ضد العضو في أثناء دور الانعقاد السنوي، إلا بإذن يصدر من رئيس المجلس، وذلك في غير دور الانعقاد.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون بموجب المادة (32) منه قد أحال إلى مجلسي الدولة والشورى في لوائحهما  تحديد الضمانات المقررة لأعضاء المجلسين.

  1. حالات انتهاء العضوية: تتباين هذه الحالات بين مجلسي الدولة والشورى، حيث يتشابه المجلسان في حالتي انتهاء فترة المجلس، والوفاة أو العجز الكلي، مع الاختلاف في تضمين حالة الإعفاء من العضوية في مجلس الدولة بموجب المادة (10) من قانون مجلس عُمان 20221، وتضمين حالات: الاستقالة، وإسقاط العضوية، وحل المجلس، في مجلس الشورى، وفق المادة (19) من القانون ذاته.
  2. أدوار انعقاد مجلس عُمان: نصت عليها المواد 58 مكررا من (26) وحتى(34)، من النظام الأساسي 1996، والمواد من (38) وحتى (46) من قانون مجلس عُمان 2021، والتي تتمثل في دور الانعقاد العادي، ودور الانعقاد غير العادي، والدعوة الاستثنائية لأوَّل اجتماع تلي الانتخابات العامة لمجلس الشورى، وتحديد مقر انعقاد الاجتماعات في مسقط، وعلنية الجلسات، والجلسات غير العلنية التي يتم الاتفاق في شأنها بين مجلس الوزراء وأي من المجلسين، وحضور أغلبية الأعضاء للاجتماع، شريطة أن يكون من بينهم رئيس المجلس أو أحد نائبيه، وإصدار قرارات المجلسين عبر التصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وأخيراً توقف جلسات مجلس الدولة في حالة حل مجلس الشورى.
  3. كيفية الدعوة لحضور الاجتماعات وفضها: أبانت النصوص الدستورية في النظام الأساسي 1996 في مادتيه 58 مكررا (28 و 29)، والمادتان (40 و41) من قانون مجلس عُمان 2021، التي أجازت للسلطان دعوة مجلس عُمان للاجتماع في غير دور الانعقاد العادي، على أن تكون الدعوة أو فض الانعقاد بأمر سُلطاني.
  4. حل مجلس الشورى: أجازت كل من المادة 58 مكررا (19) من النظام الأساسي 1996، والمادة (24) من قانون مجلس عُمان 2021، للسلطان حل مجلس الشورى، ولقد أبان النص القانوني المشار إليه، في قانون مجلس عُمان على الحرية المُطلقة للسلطان في حل مجلس الشورى، ومرد ذلك عائد إلى تقدير السُّلطان، مع وجود سلطة مقيدة في الشطر الثاني من ذات المادة، تتمثل في وجوب دعوة السلطان إلى انتخابات جديدة للمجلس خلال أجل لا يتجاوز أربعة أشهر ابتداءً من تاريخ حل المجلس.

ثامناً: أختتم النظام الأساسي للدولة 2021 الباب الخاص بمجلس عُمان، بتحديد مكان انعقاد اجتماعات مجلسي الدولة والشورى، وهو مقر المجلسين في مسقط، مع الإشارة إلى جواز عقد الاجتماع في مكان آخر بدعوة من السُّلطان. وهو ما يتطابق مع النص الدستوري للنظام السابق 1996 في المادة 58 مكررا (30)، وكذا المادة (42) من قانون مجلس عُمان 2021.

وحاصل القول إنَّ الأحكام الدستورية الخاصة بمجلس عُمان، في النظام الأساسي للدولة الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6/ 2021، لم تخرج عن القواعد الدستورية التي نص عليها النظام الأساسي للدولة السابق 1996، والمعدل بالمرسوم السلطاني رقم 99/ 2011، مع التنويه إلى قيام المشرع الدستوري العُماني بإحالة الأحكام التفصيلية لمجلس عُمان إلى القانون، والتي صدرت بموجب قانون مجلس عُمان رقم 7/ 2021. وبالمقاربة بين النصوص الدستورية للنظامين الأساسيين للدولة، والنصوص القانونية الحاكمة لقانون مجلس عُمان، يبدو أن النظام السياسي العُماني يرغب في منح مجلس عُمان دور محوري أكبر في المشاركة في صناعة القرارات الوطنية من خلال الصلاحيات التشريعية والرقابية التي يتمتع بها المجلس، والتي من المؤمل أن تشهد تطورا وتناميا على مستوى الهيئة التشريعية في المستقبل، قد يتطلب الأمر إجراء تعديل تشريعي على قانون المجلس، لا ينسجم مع الطبيعة الجامدة للنظام الأساسي للدولة، والمستجدات التي قد تطرأ على القواعد التشريعية الحاكمة لمجلس عُمان، وهو ما يُعد ميزة تشريعية للانطلاق بمسيرة هذا المجلس نحو آفاق أرحب، تعمل في توازِ مع رؤية عُمان 2040، وتسعى إلى تحقيق تطلعات وآمال الشعب العُماني في تطوير منظومة السلطة التشريعية كأحد مرتكزات التنمية الشاملة للمؤسسات العامة في الدولة.

المراجع:

  1. النظام الأساسي للدولة رقم 6/ 2021
  2. النظام الأساسي للدولة رقم 101 /96
  3. قانون مجلس عُمان رقم 7/ 2021

 

** محامٍ وباحث دكتوراه في القانون الدستوري والعلوم السياسية

تعليق عبر الفيس بوك