ولاية العهد

ردينة بنت عامر الحجرية **

يمكن أن نقول إنَّ هناءة بن مالك بن فهم هو أوَّل حاكم تولى الحكم وراثة عن أبيه في التاريخ العُماني، ليس لأنه لا يوجد ملوك قبله ورثوا الحكم عن آبائهم، لكن لا يوجد لدينا في المتوفر من الوثائق التاريخية ما يحكي التسلسل التاريخي القديم لملوك عُمان، حتى إننا لا نعلم إن كان هناءة هو أكبر أبناء مالك بن فهم أم كان أخاه جذيمة.

ثم بعد ذلك انتقل الحكم إلى أبناء معولة بن شمس الذين ابتكروا نظاماً فريداً في الحكم لم يعرف من قبل، وهو أن يتولى الحكم ملكان، فكان هناك عبد وجيفر ابنا الجلندى بن المستكبر، ثم بعد عصر الخلافة الإسلامية تولى الحكم في عُمان سليمان وسعيد ابنا عباد بن عبد، اللذان وقفا ضد الغزوات الأموية على عُمان، حتى تغلب عليهم الحجاج وهربا إلى أراضي شرق أفريقيا. أما في الخلافة العباسية فإننا نجد أن العباسيين أثناء امتداد نفوذهم على عُمان كانوا قد أوكلوا الحكم لإثنين من أحفاد الجلندى؛ وهما: راشد بن النظر ومحمد بن زائدة، وبهما انتهى نظام الحكم الثنائي في عُمان.

أما بعد ذلك فإنَّ الحكم صار أحادياً كما هو الحال في أغلب الدول والممالك في العالم وبطريقة متعارف عليها؛ حيث يتولى أحد أبناء الحاكم الحكم بعد أبيه، وفقا للأسباب والظروف المحيطة، وليس شرطاً أن يكون الابن الأكبر هو الحاكم، كما حصل مع القائد السيد هلال بن أحمد بن سعيد الذي لم يتول الحكم بعد أبيه بسبب العمى الذي أصابه في آخر عمره، وقيل بسبب أن أمه كانت هندية، ولذلك تولى الحكم أخوه سعيد بن أحمد.

ولم يظهر مصطلح "ولي العهد" في التاريخ العماني رسمياً وإن كان متعارفاً عليه، ولم يسم أحد من السلاطين والحكام السابقين ولياً للعهد يليه في الحكم، وحين تولى المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في عُمان لم يكن له ولي للعهد، ولم يكن له ابن يليه في الحكم، لذلك كان الحديث عن كيفية انتقال الحكم هاجسا يؤرق الكثيرين ويتساءلون عمن سيليه في الحكم، وبفضل قوة ومتانة وأصالة الأسرة الحاكمة في عُمان التي تعد من أقدم الأسر الحاكمة في العالم، وبفضل الحكمة التي تتمتع بها السلطان الراحل، كان انتقال الحكم في عُمان سلسا للغاية، ليتولى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في 11 يناير 2020.

وعُمان دولة قديمة جدا ومستقلة بإدارة نفسها دوماً وأبداً بأنظمتها وأعرافها، وليست من الدول التي نشأت في العصور الحديثة بأنظمة معدة من قبل مؤسسيها، لذلك فإن تعديل وتغيير نظام الحكم فيها أو شكل الدولة الرسمي يمثل نقلة نوعية نحو تطور الدولة.

لذلك كان إصدار نظام أساسي معدل أهم خطوة قام بها جلالة السلطان المفدى؛ إذ يتميز هذا النظام بشموله على قواعد ثابتة ومتينة ومجردة تضمن الاستقرار والاستمرار للنظام الإداري في البلد، كما يخلق نظامًا سلسلاً وديناميكياً بين مؤسسات الدولة المختلفة يجعلها تعمل بشكل تلقائي وفق خطط ولوائح معروفة وأهداف دقيقة تتجه إليها كل مؤسسة؛ سواء بشكل مستقل أو تعاوني مع المؤسسات الأخرى.

والتعديل الأهم في النظام الأساسي هو إقرار منصب ولي العهد في النظام نفسه، بحيث لم يترك المجال لأي تكهنات أو تخرصات من الغير في من سوف يتولى الحكم بعد السلطان، الأمر الذي خلق شعوراً بالراحة والاطمئنان والثقة لدى الجميع سواء في الداخل أو الخارج، لا سيما وأنَّ ولاية العهد في النظام تتم بحكم القانون وليس اختيارا أو تعيينا من قبل الحاكم.. حفظ الله عُمان وأعز سلطانها..

مديرة متحف المدرسة السعيدية

تعليق عبر الفيس بوك