أيقظ قرارك

 

هند بنت سعيد الحمدانية

نمرُّ نحن البشر بمختلف الظروف والقصص والمواقف، بعضها يمر بجانبنا من غير أن يلامس أرواحنا، وبعضها الآخر يتعمَّق في ذواتنا ويعلن استعماره الكلي لدواخلنا، وقد تتوسَّع هذه الأحداث بين الإيجابي منها والسلبي حسب نظرة كل فرد منا وتقديره وزاوية الرؤية التي يتخذ منها معتقداته وثوابته ومنبع عواطفه المختلفة.

القضيَّة تكمُن في هذه المواقف والأحداث التي لا تمر مرور الكرام، بل تتطلب منا اتخاذ قرارات جدية وحسمَ بعض القضايا التي بقيت عالقة لفترات طويلة، وهناك ستجد أنَّ القرارات تأخذ بُعدا رأسيًّا من نقطة الصفر، وهي أول خطوة على سلم الحياة، ثم قرارات في مُنتصف سلم الحياة، وصولا إلى قراراتك المصيرية الحتمية عند آخر خطوة لك في سلم حياتك.

وإذا ما كنت عزيزي القارئ عند نقطة الصفر، فمن الأفضل لك أن تبادر بأول خطوة لك، وتتخذ قرارك المناسب بعد دراسة جيدة ومستفيضة لجميع أبعاده، حتى تتمكَّن من مباشرة حياتك وتخطو خطواتك نحو تقدمك الذاتي والعلمي والعملي والاجتماعي، أما إنْ كُنت وصلت إلى مُنتصف السلم فأنت الآن في مفترق طرق وعر بعض الشيء، وفي حاجة إلى أنْ تتخذ قرارك، الذي سيكون بمثابة الضوء لك في طريقك القادم الذي يدعوك للنهوض والتقدم والتقرب أكثر وأكثر من أهدافك وغاياتك، في حالة كُنت من الأشخاص الذين يُفضِّلون انتظار الآخرين الإمساك بزمام الأمور والإفتاء في حياتك الخاصة، وحسم قرارتك من خلال وجهات نظرهم ومنظورهم الخاص، فدعني أخبرك بأنَّني أشفق على حالك يا عزيزي، لأن القادم من عمرك سيكون مليئا بالخذلان والتقاعس والعودة إلى الوراء، مُثقلا بمشاعر الإحباط والخوف وربما الاكتئاب، يقول الشعراوي: "الذي لا يملك فأسه، لا يملك قرار رأسه". إنَّ الوقوف عند نفس النقطة بدون التصرُّف أو إصدار قرار أو حتى صوت؛ ذلك سوف يحدث نوعا من الألم العميق في داخلك، ورُبما سيهوي بك إلى قاع لا قرار له، حاول وجاهِد نفسك أن تخطو أية خطوة حتى لو كانت صغيرة جًّدا، حاول أن تتنفس، خذ نفسا عميقا واشهق، المهم أن لا تقف ساكنا مخنوقا في أفكارك ورغباتك، افعل أي شيء حتى لو رآه الآخرون خاطئا أحيانا، أو لا يتناسب مع تقديراتهم ومصالحهم.

أمَّا أنت يا عزيزي الواقف على آخر عتبة السلم، أجل أنت الواقف هناك على حافة النهايات، محتارا: ما الذي ينتظرك بعد خطوتك الأخيرة، وبعد كل هذه المسافات والسنوات، وبعد كل هذه التراكمات والترسبات؟ ما الذي ينتظرك بعد خطوتك الأخيرة؟ هل ستحتاج حقا لقرار آخر سواءً كان جديدا أم قديما كنت تتهرب منه منذ فترة طويلة، أم أنك الآن في منطقة راحتك الأخيرة تستمتع بثمار قراراتك الصائبة وتحتفل بإنجازاتك الماضية؟

عند نقطة النهايات لن يعود أحد بحاجه إلى قرار، هناك تجفُّ الأقلام وتفرغ المشاعر، تمسي الأمور أكثر حتمية ومصيرية، ما كان بالأمس في بداية السلم أو منتصفه اختيارا، يمسي في النهاية أمرًا حتميًّا إذا كان هناك وقت متبقٍّ، وإن لم يسعه الوقت يمسي لا شيء أبدا.

رسالتي الأخيرة للواقفين على كل منعطفات الحياة: اتَّخِذوا قراراتكم وفقا لفطرتكم السليمة، وفقا لأحلامكم وبساطتكم، وفقا لكل شيء يُسعدكم ويُشعركم بالحب في كل ثانية تمر، لا تختاروا قرارا يصنع منكم نموذجا مثاليا لأحد، بل اختاروا ما يحيطكم بالحب والاطمئنان؛ حيث يطمئننا الله فيقول: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وإلى أولئك الذين توقفوا عند عتبة الزمن انفُضُوا غبار الخوف والعار والمثالية، وامتثلوا فقط لدواخلكم الصادقة، وطابقوا واقعكم الخارجي بما يدور في مَجراتكم الداخلية، لا تَكُن راقيًا أكثر مِمَّا يلزم في قراراتك بل كن صادقا فقط.

تعليق عبر الفيس بوك