حتى تكون الطاقة الشمسية سلعة عامة

 

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي

باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية

 

يعرف الاقتصاديون "السلعة العامة public good" بأنها السلعة أو الخدمة المتاحة للجميع ولا يُمكن لأحد أن يمنع أحداً منها ولا المزاحمة عليها، وهي غير ناضبة، وفي العادة تقدم السلع أو الخدمات العامة من قِبل الحكومات، مع أنَّه يُمكن للقطاع الخاص أن ينتج سلعاً أو خدمات تكون في النهاية عامة، مثل بث الإذاعة أو التلفاز التي يُمكن للكل الاستماع إليها أو مشاهداتها. ومن أهم الأمثلة التي يسوقها الاقتصاديون على السلع أو الخدمات العامة الدفاع والأمن الوطني، حيث إنَّ هذه خدمة تقدم لكل الناس ولا يُمكن للدولة استثناء أحد منها عندما تقوم بحماية الوطن، كما أن حماية الدولة لفرد واحد فيها لا يجعل تلك الحماية محصورة فيه أو تنتهي أو تتلاشى عنده. ومن السلع العامة أيضاً حق الحصول على المعرفة وعلى الماء الصالح للشرب والهواء النقي، وكذلك الإنارة في الشوارع العامة، ومنها كذلك الوصول إلى الإحصاءات العامة، وما شابه ذلك من سلع وخدمات. ويفرق الاقتصاديون بين السلع العامة public good والسلع العمومية common good ذلك أن هذه الأخيرة قد تكون مُتاحة للجميع ولا يمكن استثناء أحد منها ولكنها قد تكون قابلة للنضوب، ومثال ذلك السمك في البحر أو المياه الجوفية الصالحة للشرب، وكلتاهما تختلفان عن السلعة الخاصة private good وهي التي يتنافس الأفراد للحصول عليها، واستهلاكها من قِبل فرد يؤدي إلى منع الآخر منها.

وحيث إنَّ الكهرباء من أساسيات الحياة الكريمة والعيش الرغيد فإنِّه يجب جعلها متاحة للنَّاس عامة بغض النظر عن مستويات دخولهم. لكن تكاليف توليد الكهرباء من المصادر التقليدية إضافة إلى تكاليف نقلها وتوزيعها أصبحت مرتفعة، ولم يعد أمام الحكومات إلا خياران لتوصيلها إلى المستهلكين. الخيار الأول هو أن تتحمل الحكومة جزءًا كبيراً من تلك التكاليف في صورة دعم يتزايد سنوياً بفعل تزايد الاستهلاك من الكهرباء، الأمر الذي سيشكل أعباءً مالية كبيرة كان يمكن استخدامها في تحسين تقديم خدمات أخرى ضرورية، مثل الخدمات الصحية والتعليم. أما الخيار الثاني فهو إزالة الدعم الذي تُقدمه الحكومة، أي تحميل المستهلكين كامل تلك التكاليف، وهو ما يُعرف بتطبيق التعرفة المنعكسة عليهم.

لكن التقدم التقني في مجال الطاقة أوجد الفرصة لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة لا تنضب، مثل الرياح والموج والطاقة الشمسية، وهذه الأخيرة هي مصادر الطاقة المتجددة خاصة في هذه المنطقة من العالم. وحيث الشمس مصدر غير ناضب وهي مُتاحة للجميع ولا يُمكن لأحد أن يمنع أحداً من استخدام الطاقة الناتجة منها إذا توفرت التقانة اللازمة لإنتاجها، فإنِّه يمكن اعتبارها سلعة عامة، خاصة إذا تمَّ تخفيض تكلفتها إلى الحد الذي يمكن لكل أسرة الحصول عليها بغض النظر عن مستوى دخلها. ومنذ منتصف القرن الماضي، خاصة بعد ارتفاع سعر النفط في الربع الأخير منه، بدأت بعض الدول الصناعية البحث في استخدام الطاقة الشمسية كمصدر غير ناضب. غير أنَّ التكلفة العالية لإنتاجها حينذاك حالت دون التوسع فيه، حيث بلغت تكلفة إنتاج الكيلوات في عام 1976 حوالي 100 دولار أمريكي بأسعار الوقت الحاضر. ومع دخول دول مثل ألمانيا والهند وخاصة الصين في السنوات الأخيرة، زاد إنتاج الطاقة الشمسية حول العالم بصورة مضطردة من حوالي 1 ميغاوات في عام 1977 إلى أكثر من 100 ألف ميغاوات في عام 2019، كما انخفضت التكلفة إلى حوالي 5 سنتات من الدولار الأمريكي للكيلوات، ولا زالت التكلفة في انخفاض لاسيما بعد أن ظهرت تعهدات وتحالفات لها دوافع اقتصادية وبيئية بين بعض المستثمرين والعلماء لخفض تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية في غضون سنوات إلى ما دون تكلفة إنتاج الكهرباء من الفحم الحجري، الذي ما زال المصدر الأقل تكلفة لإنتاج الكهرباء حتى الآن.

ومنذ بضع سنوات بدأت سلطنة عُمان في إدخال الطاقة الشمسية على عدة مستويات، أهمها مشروع "مرايا"، وهو مشروع استثماري مشترك بين شركة طاقة عُمان وجهاز الاستثمار العماني ومستثمرين آخرين، ويهدف مشروع "مرايا" إلى استخدام الطاقة الشمسية لتعزيز إنتاج النفط من أحد الحقول. أما الخطوة الأهم في مجال استخدام الطاقة الشمسية في السلطنة فقد كانت ذات طابع تنظيمي وتشريعي تمثل في "المبادرة الوطنية للطاقة الشمسية" المعروفة اختصارًا بمشروع "ساهم"، الذي أطلقته قبل حوالي ثلاث سنوات "هيئة تنظيم الخدمات العامة"، وهو المشروع الذي يهدف إلى تركيب أجهزة توليد الطاقة الشمسية في المباني السكنية لإمدادها بتلك الطاقة.

ومع دخول "التعرفة المنعكسة" على الاستهلاك المنزلي قيد التنفيذ فإنَّ التكاليف الشهرية لاستهلاك الكهرباء ستستقطع نسبة كبيرة، خاصة من دخول الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل. لذلك لابد من اتخاذ سياسات عملية تساعد تلك الأسر في التقليل من انخفاض مستوى معيشتها عن طريق الحصول على الطاقة الكهربائية من مصدر رخيص، هو الطاقة الشمسية. وأهم سياستان يمكن للحكومة اتباعهما لخفض تكاليف الحصول على الطاقة الشمسية هما توجيه وتقديم دعم مالي لمؤسسات البحث والتطوير والجامعات المحلية من أجل تطوير تقنيات رخيصة تناسب المنطقة، أو قيام جهاز الاستثمار العماني بالاستثمار في مشاريع تقانة الطاقة الشمسية في الدول الرائدة في هذا المجال، بما يضمن للسلطنة المشاركة في امتلاك تلك التقانة وحق استخدامها. لكن نتائج هذه السياسة، بالرغم من فوائدها العلمية، قد تحتاج إلى عدة سنوات لتؤتي أُكَلها، لذلك فإنَّ الطريق الأقصر لخفض تكاليف الحصول على الطاقة الشمسية هي تسهيل إعطاء الرخص اللازمة لها، وكذلك إعفاء المستوردات من ألواح وخلايا الطاقة الشمسية والأجهزة المتصلة بها من الرسوم الجمركية ومن ضريبة القيمة المضافة.

إنَّ انتشار استخدام الطاقة الشمسية على مستوى البيوت السكنية والمؤسسات العامة، مثل المدارس والحدائق، سيُحقق عدة أهداف، منها تقليل التكاليف والإسراع في خفض الدعم الحكومي لاستهلاك الكهرباء، إضافة إلى أنَّه ربما يُقلل في المستقبل من الحاجة إلى إنشاء شبكات توزيع واسعة للكهرباء وربما أيضاً تقليل تكاليف نقل الكهرباء عبر خطوط الضغط العالي، فربما يستطيع كل مسكن أو مؤسسة عامة سد حاجته من الكهرباء من خلال إنتاجه، هذا بالإضافة إلى الفوائد البيئة والاقتصادية الأخرى.

تعليق عبر الفيس بوك