يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"عندما تُصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يُمكن القول بأننا أصبحنا قوما متحضرين" - ميخائيل نُعيْمة
كنت كأي مسلم في المسجد القريب لأداء صلاة الجمعة، وأثناء وجودي في المسجد لاحظت أن أحد المصلين يقرأ القرآن الكريم من هاتف نقال، رغم وجود عدد كبير من المصاحف في قاعه المسجد، مما أثار استغرابي لأن المعروف أن قراءة المصحف أجرها عظيم، ويكفي أن الله قال في سورة الواقعة: "لَا يَمَسُّهُ الَّا الْمُطَهَّرُونَ"، أي يجب الوضوء قبل القراءة، وهذا يُثبت عظم أجر قراءة المصحف لأنها ترتبط بالطهارة ووضوء قبلها والوضوء له أجره كذلك.
رُؤيتي للذي يقرأ القرآن من وسيلة إلكترونية رغم وجود المصحف الورقي، يجرُّني للتفكر في تاريخ القراءة وكيف وصل الأمر لقراءة المصحف من وسيلة إلكترونية وبالمسجد، سأتصوَّر القارئ الكريم يسألني: هل تعلم أن للنسخ الإلكترونية من الكتب سوقا يقال إنها رائجة؟
طبعا.. أعلم، وهل هناك من لا يعلم؟
بالطبع كله إلكتروني بدءًا من عرض نسخة الكتاب بموقع إلكتروني، ثم الشراء إلكترونيا أيضا عبر تحويل مبلغ الشراء المخصوم من حسابك المصرفي، إلى أن تصلك النسخة في جهازك الإلكتروني كاملة ومكملة، ولا شك تطور محمود وله من الفوائد الكثير، خاصة عندما يتمُّ توثيق وطباعة الكتب بصيغ إلكترونية ليتسنَّى وجودها في حالة الطلب، ولا يهم كفاية عدد النسخ المطبوعة ورقيا أم لا، معروف أنَّ كثيرًا من الكتب لا يتم طبع العدد الكافي بطبعة واحدة، فتنفد النسخ ويندر وجود نسخ للتداول والبيع، وهذه مشكلة يعاني منها القرَّاء خاصة في بعض الكتب المطلوبة، وكثيرا ما توجد طَبَعات غير مرخصة خاصة للكتب ذات الطلب الكبير، أما في حال الطبعات الإلكترونية فأعتقد أنَّ نُدرة وجود النسخ هي مشكلة لا وجود لها؛ لأنَّ الطبعة الإلكترونية لا تحتاج ورقًا ولا تغليفًا ولا وضعَ النسخ فوق أرفف استاندات فقط ضغطة زر وبخطوات معينة وأهلا وسهلا!
العالم يتطوَّر بسرعة، والعولمة قضت على الأخضر واليابس في ثورة الاتصالات، العالم كله أمام محاولات لصياغة العقل الجمعي من خلال الهيمنة على نظم التعليم والإعلام الموجَّه، والنموذج الحضاري المعاصر يتمثل في سقوط الأنساق الفكرية المغلقة، لا تسألني عن تحديات وتطورات ما قبل الألفية والثنائيات الشهيرة كالاشتراكية والرأسمالية، والقطاع العام والقطاع الخاص، الكل يتَّجِه للانصهار في الكل، أصبح وجود الشركات مُتعددة الجنسية العابرة للقارات أمرا واقعا ومؤثرا، العولمة دخلت حتى بيوتنا ويكفي تأثير الميكروويف الذي قد نعتبره الجهاز الأهم في المطبخ، وهو المعروف بمهمة تسخين المبرد، ألا تلاحظ انتشار الوجبات الغذائية المبرَّدة التي لا تحتاج سوى تشغيل زر الميكروويف، بينما سابقا من الفرن إلى فمك مباشرة وصحتين!
الوقت تتغيَّر سماته، نحن في وقت تشتري الوجبة من ثلاجة السوق المركزي (والله خجلت أكتب من السوبر ماركت حياءً من اللغة العربية!)، وتذهب للبيت وتضعها بالميكروويف، وتشغل الكتاب الإلكتروني وتقرأه إلكترونيا، وحتى بالمسجد تشغل الهاتف وتقرأ الآيات من شاشته!
أخيرا.. رأي العبد الفقير أنه لا الكتاب الإلكتروني ولا ثورة الاتصالات ستؤثر في أهمية الكتاب الورقي، الكتاب الإلكتروني لا يعمل إلا إذا كان اشتراك الإنترنت مدفوعًا، ولا تقرأه إلا وشحن الكهرباء للجهاز في وضع يسمح بالقراءة، وقد يتعرض لتعديات إلكترونية "هاكرز"، أما الكتاب الورقي فقد تضعه فوق الرف أو الخزانة في البيت، وإن أعطاك الله عُمرا، حتى بعد عشرين سنة، ستجده في نفس المكان كما هو، ولا يتأثر ما دام محفوظا بشكل جيد.
القراءة الإلكترونية مُهمَّة للمسافر والمريض ومن لم يجد نُسخة، ولطلاب العلم الذين يحتاجون صيغ PDF الإلكترونية، ولأمور معينة، وتوجد منصات إلكترونية لتجارة الكتب وترويجها مثل الكندل (قارئ الكتب الإلكترونية).
لاحظ ماذا كتبت في واجهة المقال، ما قاله ميخائيل نعيمة هو اعتقاد راسخ عند أجيال سابقة وحالية بأنَّ المكتبة المنزلية تكاد تكون أجمل ركن بالمنزل، حتى أحيانا تستخدم الكتب كزينة فوق الأرفف كدلالة على أهمية القراءة عند صاحب البيت، ومعروف للجميع أن كثيرا مِمَّن يضعون كتبَ الزينة لم يفتحوا صفحة واحدة من هذه الكتب، لكن على الأقل لربما يأتي أحد مُستقبلا، ويستفيد ولو من قراءة صفحة أو معرفة معلومة من أيٍّ من هذه الكتب، لأن فائدة الكتب باقية، ولا تعترف بشاحن كهربائي أصلي أو مقلد أو صفحة اخترقها الهاكرز!