سيادة القانون في مرحلة التقاضي

 

عيسى بن علي الغساني

محامٍ وباحث في علم الاجتماع القانوني

يلجأ أطراف النزاع إلى عدالة السُّلطة القضائية لكي تبت في النزاع أو الخلاف بحكم عادل ومُنصف، يكون عنوان الحقيقة، يمنح الاستقرار والأمن النفسي والقانوني ليس لأطراف الخلاف أو النزاع فقط، ولكن لكل المجتمع فالحكم لايعالج حالة واحدة أو واقعة معينة، لكن يهدف إلى أن يمتد أثر الحكم إلى كل أفراد وفعاليات المجتمع وإلى كل مرافق الدولة وأشخاص القانون العام والخاص.

فالحكم القضائي حقيقة قضائية ورسالة اجتماعية. لكن لكي يصدر الحكم معبرًا عن الحق والعدل وينتقل إلى الضمير والوجدان الاجتماعي كونه حقا وعدلا. يقتضي الواقع تكامل أطراف العمل القانوني الثلاثة؛ وأولهما: القاضى بإعماله أدوات العدالة من نزاهة وحياد ومنطق قانوني وقضائي وهذا أمر مسلم به، لأمرين أنَّ القضاء منظومة تعمل باتساق وتناغم وتكامل عبر ضمانات إجرائية وموضوعية، ومن أهم ضمانات عدالة الحكم القضائي، مروره بدرجات التقاضي الثلاثة، الابتدائي، والاستنئاف، ومن ثم مرحلة القانون سواء التماس أو محكمة قانون.

وثانيا: الطرفان الأخران هما طرفا النزاع أو الخلاف. وعن مسؤولية الأطراف الأخلاقية والقانونية، من الواجب أن تكون دعواهم مبنية على سند أخلاقي وقانوني وليست وسيلة للتربح غير المشروع أو الحصول على مالا يستحق أو ما لا يجيزه الحق.

وتظهر في مختلف الأنظمة القضائية قضايا، تقدم أدلة غير صحيحة أو غير موجودة، وهنا تتصدى الأنظمة القانونية للتعامل مع محاولة تضليل العدالة، وتوقع أشد العقوبة بمن يسعى بغير حق الحصول على مالا يستحق في رسالة للمجتمع، بأن أساس التقاضي هو الصدق والأخلاق وليس التجديف والتضليل.

وعلى مستوى الإدارة تدخل رجل الإدارة أثناء التقاضي في سير العدالة، لتحقيق مصالح غير مشروعة، أو لاستصدار حكم يتفق ورغبته، بأي وسيلة كانت يشكل تعطيلا للعدالة ومحاولة عبث برسالة القضاء السامية أمام المجتمع ويشكل خطرا محدقا ليس على سير العدالة ورسالة القضاء، بل على ضمير ووجدان الفرد والمجتمع، ذلك أنَّ أي تدخل بأي وسيلة أو شكل يخل بقيم العدالة وثقة المجتمع في منظومته القانونية.

والقانون يواكب التطور الاجتماعي في كل ما يضر بضمير ووجدان المجتمع، لذلك تستحدث النظم القانونية نصوصاً تعالج حالات التدخل في سير العدالة، ومع دخول أنظمة التقنية الحديثة، وأنظمة الذكاء الاصطناعى في مجال العمل القانوني، استجدت تقنيات وأساليب تحاول التدخل في عمل القضاء، واقتضى الأمر تأهيل العاملين في مجال القانون في مجال التقنية والذكاء الاصطناعي، حتى تتأسس المعرفة التي هي لب المنطق القانوني والقضائي.

ولسد الذرائع في هذا الباب تقتضي الحاجة سن مزيد من النصوص القانونية لتحديد حالات وأنواع الشروع في التَّدخل في سير العدالة وتعطيل العدالة، والإخلال بثقة المُجتمع في النظام العام. وبقراءة لقانون الإجراءات الجنائية وقانون الجزاء ومع التطوير والتحديث للتشريعات يقتضي مبدأ مواكبة الحراك الإنساني والاجتماعي، إفراد نصوص قانونية تعالج كل المسائل التي استجدت في الواقع الاجتماعي، وهذه النصوص سوف تسد الفراغ التشريعي وتعزز من وضوح واستقرار المعاملات سواء اجتماعية أو اقتصادية وبناء الثقة واليقين القانوني وسيادة القانون.

ثالثاً: الطرف الثالث هو المحامون الذين يقدمون الأدلة والبرهين أثناء التقاضي، وقد أحسن المشرع الدستوري صنعاً، بأن أفرد قاعدة دستورية لمهنة المُحاماة وهذه قاعدة عُليا، ومضمونها أن مهنة المحاماة تشارك القضاء في تحقيق العدالة وهي رسالة وواجب أخلاقي.

وهذا المبدأ، يقتضي أن تنظم هذه المهنة الوليدة نفسها على الأسس الأخلاقية وتكون سنداً لرسالة القضاء وتكسب ثقة المجتمع، وأن لمهنة المحاماة أن تضع ميثاقاً وعهداً أخلاقيا يلتزم به العاملون بمهنة المحاماة. ومن المهم أن تكون مهنة المحاماة تخصصية لكي تساهم في تطوير العمل القانوني والتشريعي أسوة ببقية دول العالم.

تعليق عبر الفيس بوك