أ. د. حيدر أحمد اللواتي
كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
إن التحليل الدقيق للحوادث في تلك الفترة ربما يدل على أن الصراع كان أحد أسبابه إدخال ما لا علاقة له بالدين كالقوانين الفيزيائية والقضايا الفلكية ضمن الرؤية الدينية وتفسير نصوص الإنجيل بطريقة ما لتوافق الآراء العلمية السائدة واعتبارها آراءً دينية لا يمكن المساس بها.
إنَّ هذه الحادثة تحذرنا في الوقت نفسه بأهمية تنزيه الكتب المقدسة ومحاولة تفسير ما ورد فيها بنحو يوافق القوانين والآراء العلمية السائدة، فالعلم بطبيعته المُتغيرة والخاضع للتجربة البشرية قابل للتغير ولذا فتفسير القرآن الكريم تبعاً للمعرفة العلمية لا يخلو من مخاطر عديدة يجب أخذها بعين الاعتبار وخاصة من المتصيدين للتفسير العلمي للقرآن الكريم
ولكننا نميل إلى أنَّ الخلاف الأساسي الذي أدى إلى التصادم هو محاولة كل من جاليليو وبرونو انتزاع السلطة المعرفية من رجال الكنيسة واحتكارهم لها ورفض كونهم السلطة الوحيدة المخولة لهم بتفسير الإنجيل، ولهذا فمن الخطأ الاعتقاد بأنَّه خلاف علمي أو فكري بل هو صراع على السلطة، فرجال الكنيسة آنذاك كانوا سيفاً مُسلطاً على الشعوب، وكانت الشعوب خاضعة لهم بشكل كامل وما أروع وصف القرآن حينما يصف خضوع المسيحيين لسلطة رجال الكنيسة الفاسدين "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله" وهي آية في كتاب الله يحق لنا أن نقف عندها طويلاً، إذ لم يعهد في تاريخ المسيحية أنهم عبدوا رجال الكنيسة واتخذوهم آلهة، فما الذي يقصده القرآن عندما يقول بأنهم اتخذوهم آلهة؟ هل هو الخضوع المطلق لهم دون تفكر وتدبر؟! أترك للقارئ الكريم حرية التأمل في ذلك.
إن من أكثر الأمور التي تبتلى بها البشرية على مر تاريخها هو إضفاء صفة القداسة على أفكار مُعينة ومع مرور الزمن تتحول هذه الأفكار إلى دين يدان به ومسلمة من المسلمات التي لا يُمكن المساس بها، ويؤكد لنا هذا الصراع بين جاليليو والعلماء الآخرين وبين الكنيسة أن علينا أن نكون حذرين جدا في إضفاء صفة القداسة على أفكار مُعينة لم تثبت أنها مقدسة بالفعل وإنما اكتسبت قدسيتها من تاريخها القديم، ففكرة ثبات الأرض وأنها مركز هذا الكون كانت من المسلمات الفكرية عند رجال الكنيسة بل والبشرية برمتها -إلا ما ندر- والتي لا يُمكن المساس بها وتبين وبعد أكثر من ألفي عام من الإيمان والتصديق بها بأنها محض خرافة لا واقع لها.
لقد كان لهذا الصراع التاريخي صدى واسعاً وأدى إلى ردود فعل عنيفة من قبل علماء الطبيعة ما زالت آثاره بادية على انحياز هؤلاء العلماء ضد كل ما يمت إلى الدين بصلة، فلقد ارتبط الدين بقبضة رجال الكنيسة وسيطرتهم على زمام الأمور، ومن هنا فعلينا أن نضع في حساباتنا هذه الخلفيات التاريخية وأثرها على تفسيراتهم المادية ومحاولاتهم المستميتة لإبعاد أية تفسيرات تشير إلى أبعاد ميتافيزيقية كعقيدة وجود إله تعيد للدين دوره في الحياة.
مصادر للمطالعة:
- صالح، هاشم، العلم والإيمان كتاب الرياض العدد 513\93
- الجابري، محمد عابد مدخل إلى فلسفة العلوم ط 3 1994
- Marcelo Gleiser, The Dancing Universe
- A Little History of Science – William Bynum.