جابر حسين العماني
عندما يسعى الإنسان لإيجاد الحلول المناسبة لحل الكثير من المشاكل الإدارية في الأسرة والمجتمع، فهو بحاجة ماسة لصناعة القرار الصائب الحكيم المتناسب مع المرحلة التي يُواكبها ويتعايش معها؛ فصناعة القرار الناجح وتطبيقه في الحياة ليس بالعملية السهلة التي يقوم بها الإنسان متى ما شاء، وإنما هي عملية تحتاج الكثير من الحيطة والحذر والاستشارة والحكمة والتجربة من قبل المسؤولين والمربين أنفسهم؛ وذلك من خلال البحث الدؤوب عن الحلول المناسبة، وانتقائها من بين الحلول المطروحة على طاولة البحث، والاستشارة؛ مما يتطلب ذلك التأكيد على حسن اختيار البدائل المناسبة للجميع، وعدم التسرع في إبداء الرأي الفردي، لكي لا تكون صناعة القرار وبالا على الإنسان وأسرته ومجتمعه.
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان". وورد عن خليفة المسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: "أعقَلُ النّاسِ أنظَرُهُم في العَواقِبِ".
وهناك فارق بين صناعة القرار واتخاذه في الحياة؛ فصناعة القرار لابد أن تكُون عملية ممنهجة من قبل الإنسان؛ فمن الطبيعي أن يمر الإنسان المسؤول بمراحل حتى يستطيع صناعة قراراته الحكيمة والمدروسة، وذلك من خلال وضع المشكلة قيد الدراسة والاستشارة، والبحث والتحري عن الحلول المناسبة لحل المشكلة، فالإنسان حتمًا لا يستطيع صعود السلم كله بخطوة واحدة، بل يحتاج إلى التدرُّج حتى يصل إلى القمة، كذلك هي صناعة القرار، لابد للإنسان أنْ يسعى مُجتهدا لصناعة قراراته اليومية صناعةً سليمةً وصالحةً، لا تشُوبها المشاعر المنحازة للذات، بل تكون مبنيةً على الأسس العلمية والمنطقية في سبيل المصلحة العامة.
وفي حال قام الإنسان بذلك، فعند ذلك تأتي عملية اتخاذ القرار المدروس، وإصداره، وتعميمه للناس؛ فالمسؤول الناجح هو من تراه دائما في حالة الاستعداد الدائم لإصدار القرارات الذكية والمدروسة والواضحة، التي تأتي في الوقت المناسب للجميع، مُتحليا بقدر الإمكان بالصبر والتروِّي والحكمة تجنبا للوقوع في فخ القرارات السريعة غير المدروسة، حتى لا يُواجه النقدَ اللاذع، ولا يتسبب بالضرر للجميع، بل تكون قراراته المتخذة مؤثرة وإيجابية على الآخرين، دافعة لهم لبذل المزيد من العمل الجاد في مصلحة المجتمع؛ فصاحب القرار المسؤول هو من يستطيع اتخاذ القرار المناسب بالشكل اللائق والسليم، مع مراعاة كل ما له علاقة بنجاح المجتمع واستقراره وهدوئه.
قد تتنوَّع القرارات في حياة الإنسان، بين: "قرارات فردية"؛ وهي التي تخص الإنسان وذاته، كاختيار الطالب الجامعي للتخصص الأنسب له في الجامعة، فهو في كل الأحوال أمر منوط بالإنسان نفسه لا غير. و"قرارات جماعية"؛ وهي التي يكون القرار فيها موجها لمجموعة بسيطة، كقرار رب الأسرة لأسرته أو قرار المسؤول لمن هم تحت إدارته.
وأحيانا يكون القرار موجَّها للأمة بأسرها، كقرار رئيس الدولة للمواطنين، فلا بُد أن تكون هذه القرارات كلها صائبة وفي محل الرضا والثناء، ولكن عندما تكون القرارات غير صائبة وليست في زمانها ومكانها، ومبنية على الاستبداد بالرأي، فهي حتما ستكون محلًّا للتذمر والقيل والقال، وكثرة اللغط والأقاويل على ألسنة الناس.
وورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: "مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، ومَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهم فِي عُقُولِهم".
هناك قرارات خلفَّت الكثير من الإشكاليات، وأثقلتْ عاتقَ المجتمع وأفراده، كما هي حال بعض القرارات التي تقرر في المساء، ويُفرض تطبيقها في الصباح، دون مراعاة لأحوال المواطن العزيز كقرار عودة التعليم المدمج.
فهل من المعقول مُفاجأة مديري المدارس والهيئات التعليمية بقرار عودة الطلاب إلى المدارس خلال فترة لا تتجاوز أيامًا معدودة؟ هل من المعقول أن تستطيع الأسرة توفير مُتطلبات أبنائها من تفصيل الملابس وشراء مُستلزمات الدراسة في فترة محدودة، وهي تعيش الضغوط المادية المفروضة عليها من غلاء المعيشة وفرض قرار رفع الدعم وغيرها، وهي لا تزال في منتصف الشهر؟ هل من المعقول إرهاق المعلمين بإعداد جداول الطلاب، وتهيئة قاعات الدراسة كما كانت في عهد ما قبل كورونا في فترة وجيزة كهذه؟ هل من المعقول أن يقرر المسؤولون عودة الطلاب إلى المدارس ومنظمة الصحة تحذر من خطر انتشار سلالة جديدة لجائحة كورونا؟
إنَّ اتخاذَ القرار يجب أن لا يكون عشوائيًّا بلا مبالاة ولا اهتمام ولا مراعاة لمشاعر الناس، بل يجب أن يكون قائما على التفكير العميق وعدم الاستعجال في صدوره؛ لذا على المسؤولين أن يرحموا من في الأرض ليرحمهم من في السماء.