احذر.. منزلك ليس استثمارك الأكبر

أم كلثوم الفارسية

يكاد لا يخلو مجلس للأهل أو الأصدقاء من الحديث حول منزل العمر، وكيف يبدو الاختلاف كبيرا بين من يراه استثمارا يستحق أن تسخر له أيام عمرك، وبين من يراه حاجة إذا توفرت بأقل التكاليف فهي تفِي بالغرض، والحقيقة أننا كشعوب خليجية نقضي أكثر من نصف أعمارنا ونحن نسدد قيمة قرض هذه البيوت.. وكأننا خُلقنا لنبني هذه الجدران ونرحل، فكثيرون رحلوا للدار الآخرة وهم لم يحرروا دارهم الدنيا من رهن البنك. لقد مَلَّكوا بيوتهم لأبنائهم وحرموا أنفسهم نشوة التملك ذاتها!! فلا عجب أعمارنا قصيرة مقابل قيمة القرض المخيفة الذي أخذناه لبناء بيت العمر! حقيقة لا أفهم ماذا يعني أن لا يتجاوز عدد أفراد أسرتي الخمسة أفراد ومع ذلك أبني بيتا ضخما نبدو فيه وكأننا نقطة في بحره!

وعندما تأملت هذه الظاهرة في حياتنا، وجدتها متضخمة بشكل مرعب، والسبب يعود لـ"فخ القطيع"؛ فنحن نفعل ما يفعله الجميع، ولا نملك الشجاعة لرسم خطوط حياتنا وأولوياتنا بطريقة تشبهنا وتختلف عن البقية؛ فالحقيقة المُرة أنَّ العديد من مشاكلنا المالية أصلها مبدأ القطيع والنظر إلى الأمور من نفس الزاوية التي يراه بها الآخرون دون العودة إلى أصل احتياجاتنا لا سيما إذا تعلق الأمر بموضوع له تبعات طويلة الأمد على كافة تفاصيل حياتنا كموضوع البيت، الذي وإن جئت للحق ليس استثمارك الأكبر كما قالوا لك!

والآن.. دعني أيُّها الصديق أُثبِت لك صدق ما أقول رغم معرفتي المسبقة باختلاف الكثيرين ممن حولي مع هذه الفكرة؛ لأنَّ الصورة النمطية لبيت العمر ولطافة المشاعر التي تخالجنا حين نغمض أعيننا ونتخيل رحابة المنزل ولطافة التفاصيل فيه تدنِّي مستوى ذكائنا المالي؛ فالعاطفة غلابة!

هنا.. أستعينُ ببعض النقاط التي ذكرها الكاتب "كيوساكى" مؤلف كتاب "الأب الغني والأب الفقير"، حول رأيه في عدم اعتباره المنزل ليس استثمارًا جيدًا؛ حيث يقول: "عندما أتحدث عن المنزل أشير إلى أن أغلب الناس يعملون طوال حياتهم ليسددوا قرضا بنكيا ضخما تمتد أقساطه 30 عاما، وفي مقابل الأمر هذا المنزل يفقد قيمته الشرائية بالتقادم فأنت تدفع من قيمته مائة ألف ريال لعقار لم يعد بذات القيمة؛ إذن فأنت تسدد من جيبك ما لن يعود لك بل يعتبر في بند النفقات. أما الخسائر الكبرى، فتتمثل في تكلفة الفرص الضائعة، فإن قمت بتجميد كل أموالك في منزلك، فقط هنا تكون قللت فرص الاستثمار أو الادخار؛ وبالتالي كل ما تحصل عليه تنفقه على هذا الاستثمار المشوَّه إن صح التعبير؛ فهو يأخذ منك أكثر مما يعطيك، ستضطر حينها إلى العمل الشاق أو أخذ الحد الأقصى من سنوات التقاعد حتى يتسنَّى لك إيقاف نزيف أموالك، وبين هذا كله قد تقصر في حق عائلتك في الترفيه والرفاهية؛ لأنك لا تملك السيولة الكافية لذلك، فأكثر من نصف معاشك يذهب لسداد القسط البنكي".

وخلاصة الموضوع يا صديقي، إنَّ بيت العمر هو ما يوفر لك حاجتك في مأوى بدون أن تضطر لتقليد الآخرين في بناء بيت فخم وكبير يتسع للقرية بأكملها بينما أسرتك لا تتجاوز الخمسة أشخاص؛ وبالتالي تعيش عمرك كله تسدد قيمة هذا البيت، ثم إذا سألك أحدهم عن سوء التصرف هذا تجيبه بأنه استثمارك الأكبر!! انتبه يا صديقي، فبيت هذه آلية تمويله ليس استثمارا، بل هو خصم لأموالك، يهدرها لك، ويحرمك التمتع بحياتك مع أبنائك وشريك حياتك بالصورة الصحيحة. فما فائدة البيت الفخم والضخم وأنت تبات الليل تحسب كيف ستغطي نفقاتك الباقية، أو من أين ستأتي بمبلغ لشراء هدية لولدك المتفوق!!!!

ولست أقول للناس لا تبنوا بيوت أحلامكم، ولكن تأكدوا أنكم تملكون مشروعا يُعِينكم على تسديد تكلفة هذا البيت دون المساس بدخلك الشهري، إنَّ البيت المكلف جدا يحرمك الاستثمار في بواكير حياتك؛ وبالتالي يؤثر على مستواك المادي باقي حياتك، لتعيش كما يعيش القطيع يدرس ليعمل ويعمل ليبني بيت العمر، ويبني بيتا ليعيش أسير البنك بقية حياته.

تعليق عبر الفيس بوك