أنا منكم ومكاني بينكم

 

 

سميرة بنت حمود الغافرية **

** مختصة في معهد التواصل للتدريب

 

تخيل أنَّك خضعت إلى تجربة، حيث دخلت إلى غرفة معزولة صوتيا تمامًا، وقضيت 30 دقيقة فقط في تلك الغرفة العازلة عديمة الصدى وصمتٌ تام..! هل يمكن أن تصف لنا بماذا تشعر؟ هل هو أشبه بالشعور عندما تقوم بإطفاء الأنوار وكل شيء يذهب في الظلام؟

الله تعالى خلقنا وأنعم علينا الكثير من النعم التي تساعدنا على العيش والحياة بشكل جيد، ومن هذه النعم هي نعمة الأذن والتي تعتبر العضو الحسي لحاسة السمع ويعتمد عليها الإنسان بشكل مستمر ويومي لممارسة حياته بشكل طبيعي، حيث تعتبر حاسة السمع وسيلة مهمة من وسائل التعلم والإدراك، بمعنى يتعلم الإنسان النطق والكلام ويكتسب المعلومات ويتعلم المهارات اللغوية والاتصال والتواصل مع المجتمع.

لكن هناك فئة من البشر يولدون وهم مصابون بفقدان أو ضعف بحاسة السمع أو النطق أو كلاهما نتيجة مسببات سواء وراثية أو مكتسبة.. يتساءل الكثير عن الصم؟ كيف يتفاهمون؟ عن ماذا يتحدثون؟ هل هم مثلنا؟ بماذا يفكرون؟ هل في عقولهم علة؟ كيف يلتقون ويتفقون على موعد في مكان ما؟ إنهم يضحكون على ماذا يضحكون؟ هل يفهمون ويستوعبون من خلال لغة الإشارة؟

تساؤلات كثيرة وحائرة يطرحها الإنسان المراقب. الإشارة لغة تعرفها سميرة؛ عالم صامت تحركه إشارات الأيادي وتمتمات الشفايف ومع هذا يبقى الصم والبكم يعيشون حالة خاصة من الإحساس المرهف والإرادة القوية ربما يحسدها عليهم الطبيعيون منِّا، ويستخدمون لغة الأم وهي لغة الإشارة عبارة عن حركات اليدين والجسم وتعابير الوجه للتواصل مع الآخرين.

فطنة- فراسة- صبر؛ 3 صفات تميزهم ومع هذا هم قادرون على إيصال ما يُريدون أن يخبرونا به، وكل ما نحتاجه لفهمهم تركيز قليل وربط الإشارة بالمفردات أو استخدام ورقة وقلم.

هناك عظماء قهروا وصارعوا الصمم وتحدوا العالم بطموحاتهم العالية سعيًا للوصول للقمة مثال على ذلك: سلطان بن ناصر العامري، وهو شاب عُماني ولد بإعاقة سمعية؛ لكنه بسببها استطاع أن يصل إلى مرتبة عُليا، ويصبح أول مذيع أصم في الوطن العربي في برنامج قهوة الصباح بتليفزيون سلطنة عُمان واستطاع أن يستضيف أكثر من 50 شخصاً، وساعد في حل قضايا المصابين بالصمم وكان له دور فعال في ثقافة المجتمع بذوي الإعاقة السمعية، وتمكن كذلك من افتتاح أول معهد لتعلم الإشارات وهو "معهد التواصل للتدريب"، وكما أصبح أيضًا رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية لذوي الإعاقة السمعية في عام 2015، فإعاقته لم تكن حاجزًا بل سلمًا له للنجاح.

رسالتي لكم:

لغة الإشارة هي اللغة الأم للصم والبكم تحدوا الصعوبات وأثبتوا جدارتهم حتى حصلوا على وظائف وأسسوا عائلات..لا يهم إن كان الإنسان أصما أو طبيعيا، ما يهم أن نكون أصحاب إرادة وعزيمة من الداخل، ومنهم نتعلم ونفتح موضوع الصم والبكم ليس كفئةٍ خاصة؛ وإنما لأنهم فاعلون في المجتمع وعلينا تسليط الضوء على إبداعاتهم الحياتية ليكونوا قدوة لآخرين أصابهم الفشل والإحباط.

اختلافهم يُميزهم ولا يعني عزلهم عن العالم، صحيح لا ينطق ولكنه قادر على التفكير والعمل والعطاء، يتحدثون بأيديهم ويسمعون بأعينهم، هم جزء منِّا، عالمهم هو عالمنا ورسالتهم هي رسالتنا ومكانهم بيننا.

تعليق عبر الفيس بوك