التحديات والمخاطر للمؤسسات الصغيرة (2)

عادل الحبيشي

تحدثت في المقال السابق عن آليات العمل وعناصر خطة العمل وعرجت عليها بصورة مقتضبة، ولكن أنا من أشد المؤمنين بأهمية فهم السوق المستهدفة وتحديد الشرائح التي أتوجه لها بل أنا من أشد المؤمنين بأنَّ الالتزام بشريحتين إلى ثلاث شرائح سيُساعدني على تقديم قيمة حقيقية قد تشمل الجميع، كما إني أؤمن بأنَّ بناء المشروع يجب أن يكون حول الشرائح لاحول فكرة المشروع، أي تلبية لاحتياجاتهم الحقيقية وليست الظاهرة فقط، وإنني متى ما فهمت السوق المستهدفة لي سأستطيع تخطي الكثير من المصاعب.

وهذه تعد أكبر معضلة تواجه العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بل حتى بعض الشركات الضخمة حيث تصرف الكثير على الإعلانات والتسويق في مواقع غير ذات جدوى.

إن تحديد الشرائح ليس صعباً كما يعتقد البعض إلا حين أكون غير فاهم لما أبيع سواء كان خدمة أو منتجاً، أنا أبيع قيمة معينة لفئة وشريحة معينة، الكثير من من يعملون في مجال الأزياء مثلاً عند سؤالهم من المستهدف يقول بأنَّه يستهدف النساء بشكل عام وقد يُحدد البعض الحالة المادية أو الموقع الجغرافي للمستهدفين بل سيعتمد أيضاً على الإحصاءات والأرقام كدليل على إمكانية نجاح مشروعه كعدد النساء في منطقة معينة من فئة سنية معينة دون الأخذ في الاعتبار أمور كثيرة كالثقافة وتأثيرها في اتخاذ قرارات الشراء بل وحتى الحالة النفسية للفرد تتدخل في قرارات الشراء. في إحدى المحاضرات سألت الحاضرين من تشترط على زوجها أو زوجته تشترط علامة تجارية معينة لزيت الطبخ ومن الصعب تقبلها لأي منتج آخر، فرفع أغلب الحاضرين يده، فتوجهت بسؤالي لامرأة من الحضور عن العلامة التجارية التي تُفضلها ولماذا فكانت الإجابة لأنها أفضل زيت يباع في السوق، فرجعت لها بسؤال آخر إن كانت قد جربت كل أنواع الزيوت في السوق فكانت الإجابة بالنفي، وعدت لها بسؤال أخير كيف حددتِ أنَّ هذا النوع من زيوت الطبخ أفضل من البقية فكانت الإجابة "إننا نستخدم هذا الزيت منذ زمن حتى أن أمي كانت تستخدمه" فقمت فرضياً بعرض منتج جديد عليها بنفس السعر وبشكل أفضل وسألتها إن كانت ستشتريه مني فرفضت وقمت بتخفيض السعر لها فرفضت أيضاً ولكن حينها قدمت لها منتجاً افتراضياً جديداً يحتوي على فايتمينات ويُساعد على نمو عظام الأطفال لاحتوائه مكملات غذائية (طبعًا لا وجود لهذا المنتج) وبضعف السعر الذي تعودت على شرائه فوافقت، هنا سألت الحضور من يُفسر لي لم لم تشترِ الجديد الأرخص ولكن اشترت الغالي الثمن كانت هناك إجابات كثيرة لم تصل إلى الإجابة وكانت إجابتي بسيطة "فقد حددت الرابط الذي يربط هذه المرأة بالمُنتج الذي تستخدمه وهو رابط عاطفي حيث ارتبط بذكرى أمها، وعليه فقد خلقت منتجاً ينافس هذا المنتج برابط عاطفي أقوى وهو الأمومة لديها حيث إن الأبناء أقوى من رابط الذكرى لديها وبهذا كسبتها.

إذاً فأنا أحتاج لفهم الشرائح التي استهدفها لأتمكن من خلق قيمة تمكنني من التنافس والدخول إلى الأسواق وتسهل عليَّ تحديد مواقع عملائي وأفضل الطرق للتواصل معهم، لذا أنا احتاج إلى التحدث معهم وليس عمل الاستبيانات فقط، احتاج إلى فهم ماذا يُؤثر في قرارات الشراء لديهم وكيف ومتى يتم اتخاذ هذه القرارات، وسأعرف كيف يحصلون على المنتجات ومن أين وبكم وآليات تواصلهم مع المنافسين، وبذلك فقط سأتمكن من تحديد الشرائح الرئيسية التي استهدف بناءً على فهمي لهم ولمتطلباتهم ولمُنافسيَّ أيضًا، وهنا سأبدأ بخلق القيمة الحقيقية التي يبحث عنها عملائي والتي قد تتشابه في الشكل ولكن تختلف في المضمون كما أني سأقوم بصياغة المشروع حول الشرائح لا حول الفكرة الافتراضية التي كانت لديَّ قبل حديثي للشرائح المستهدفة.

وبالطبع تحديد الشرائح هذا لن يحد من الانتشار أو التوسع في المشروع وسنجد هذا مطابقاً لما فعلته إدارة أمازون في بناء مشروعها حول نفس الشريحة الرئيسية المستهدفة وهم من لا يملكون الوقت ويبحثون عن أفضل الأسعار وسرعة وصول البضائع وضمان جودتها كما في الإعلان.

 

عادل الحبيشي

مستشار أول

مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة

تعليق عبر الفيس بوك