البساطة والطبيعي

 

فاطمة الحارثية

 

تحدثنا كثيرا عن أهمية التغيير، وغيرنا ناشد وطالب بالتغيير لكن قلة من أدرك إلى أين يقود التغيير ومداه وتأثيره، فالتغيير لا يحدث من باب فعل الشيء للشيء، أو من باب محاولة تجديد الأنماط أو إحداث أمر يحرك الراكد، بل هو للعَلِم المدرك بالأمور هدف وعمل ونتائج واستمرار؛ إن التغيير لا يقترن بالتطوير دائما وأيضا ليس هدفا من أهداف الإصلاح، وإن تعددت الخطط وتجزأت. إن التغيير برنامج نسعى من خلاله إقامة منظومة توفر لنا عيشة أكثر رخاء، ولا استثناءات فيه أو تضحيات، فالعقل السليم يُدرك مدى ما يقوم به ومقيّم للنتائج القريبة والبعيدة، السليمة والواهية، الحقيقية والمزيفة.

إن الأساليب التقليدية لخلق الحاجة إلى التغيير متعارف عليها ومُستهلكة، وهي في تكرار مستمر، مثل افتعال قضية تمس الحياة لتحريك الرأي العام، أو تطبيق نظريات هشة مثل الهدم من أجل البناء، وغيرها من الأساليب التي لم تأتي ثمارها لمن سبق، ربما لتضارب الأسباب في هكذا استحداثات، وربما لأن الزمن في تغير مستمر والتكنولوجيا شغلت العالم بابتكارات متتالية لا تعطي متنفس حقيقي لتجديد الفكر والحلول.

والتعقيد هو جُل عمل الساعي إلى الكمال، لأن النمو لا يحدث في ظل التعقيدات بل مع ثنايا التبسيط والتسهيلات، وتمكين مبادئ البساطة وأنظمة المرونة في تطبيق الأعمال اليومية يجعل الأثر أكبر والعوائد أكثر ديمومة وتدفق، كما وأن الاعمال المعقدة تكون في العادة ذات تكلفة ضخمة واستهلاكها أعلى من مردودها. إن التكنولوجيا بقدر ما هي حاضرة لتسهيل حياة الناس نجد أن خوارزمياتها تشكل تحديا حقيقيا في إدارة تشغيلها، وتقيمها لدى الفنيين والمستخدمين، لذلك لابد من سبل ومداخل إبقاء الأمور بسيطة والتعلم من الطبيعة مما يقلل من التوتر ويحسن عملية صناعة القرار والتطبيق.

التعقيد نلمسه في حياتنا اليومية سواء العملية أو الاجتماعية وحتى الخاصة، ومن المفيد أن نجد مضادات التعقيد، والعمل على بناء نموذج سهل العمل به لتطبيق أنظمة ومبادئ الطبيعة والبساطة، تقول جوليا هوبسباوم في كتابها مبادئ البساطة: "يعتمد مبدأ البساطة على وضع الحدود المعرفية وعلم النفس الذي يركز على الإنسان كمركز حتى أكثر المؤسسات الرقمية وتوسيع نطاقها. هذا يعني أنه يجب علينا أن ندرك ونحترم أنه على الرغم من أن قدرات الآلات لا حدود لها، فإن البشر ليسوا كذلك، وأن جيل الألفية يقود التغيير نحو المزيد من الشركات الموجهة نحو الهدف، لأنهم يريدون شيئين بسيطين: التنقل الذي توفره التكنولوجيا والقيم التي يمكنهم الارتباط بها. وهذا هو السبب في أننا كلما فهمنا عمل علماء النفس وعلماء الأعصاب، كلما فهمنا بوضوح أننا لا نستطيع ببساطة أن نثقل كاهل الناس بأنظمة وهياكل معقدة ومعادية للإنسان".

 

إن التكنولوجيا والبيانات أحدثت فوضى للإنسان ربما بمقدار أعلى مما نفعته في حياته القصيرة، فأصبح يعبر عن مشاعره بأيقونات ويطلب طعامه من خلال الازرار ويمضي وقته مع اسرته من خلال المرئيات، ويتابع تقدم أطفاله من خلال التطبيقات، ويُشرف على نوم واستيقاظه وعائلته بالمنبهات بدل الساعة البيولوجية، ليس كل مفهوم لدى البعض هو واضح وسهل لدى البعض الآخر وهذا التباين هو الجمال الحقيقي وفخر إنسانيتنا، وربما من هذا علينا مراجعة ما هو حقيقي ومهم لنا وليس ما هو رائج.

************

سمو..

سمة التنافس جميلة، لمن يستخدمها مع ذاته وليس من أجل العرض ومواكبة الغريب الوحشي ليُقال عنه كذا وكذا، التكنولوجيا مفيدة في بساطتها وليس استعراض بالكم بل في الاستفادة من نفعها.