أنت إنسان حين تُعطي!!

 

أم كلثوم الفارسية

بعد أن توحشت حياتنا وكشرت عن انيابها نحو قيمنا الإنسانية العُليا بدأت أبحث في فلسفة العطاء لإيماني العظيم بأنَّ هذه القيمة بالذات هي طابع إنسانيتنا الأصيل والنتيجة أن قد بدا لي الجواب مليئاً بالالتباسات والتعقيدات لاسيما وأن العطاء كقيمة إنسانية عُليا من أكثر القيم تأثرا بخصائص حضارتنا المعاصرة القائمة على الأنانية والعطاء من أجل المقابل إن فكرة  المقايضة في فهم العطاء قد سلبت منِّا جوهرنا الآدمي  إني أتحسس قدر التشوه الذي  أصاب منظومتنا القيمية عندما قررنا ألا نرى قيمتنا إلا بقدر ما نأخذ من الآخر بالرغم من الدليل الشامل على أن الأمر على العكس تمامًا.

دعني أيها الصديق أخبرك بأنك تكون متحداً مع الكون والطبيعة عندما تُعطي!!

إنك جزء من هذه الآلة العملاقة المعطاءة التي لم يغيرها الزمان وبقيت صامدة تعزف سيمفونية عطاء متكاملة، فالليل يعطي النهار بقدر ما يأخذ منه  والأرض تعطي السماء بقدر ما تأخذ منها والبحر يعطي المحيط بقدر ما يأخذ منه كل شيء في هذا النظام الكوني الدقيق قائم على فكرة الأخذ والعطاء ذلك لأن الوجود الإنساني يتجلى في أبهى ما يمكن أن يكون من خلال فكرة الأخذ والعطاء ذاتها.

يعلمنا هذا الكون البديع المترامي الأطراف المتساوي الحقوق والواجبات أنك تكون آدميا حقا عندما تعطي لأنك في جوهر الأمر تأخذ بقدر عطائك، فالعطاء يهبك الفرح أكثر بكثير من التلقي والأخذ، ليس لأن في العطاء حرمان  ولكن لأن في فعل العطاء يتجلى لك كم أنت جذوة مشتعلة بالحياة والحب!!

من المؤلم حقاً أن تجد أشخاصاً حولك يفسرون معنى عطاءاتك الدائمة أنها عجز وضعف منك أو ابتغاء مرضاة الآخرين أو نية تبتغي منها مصلحة!!هؤلاء لا يقدرون معنى أن تكون إنساناً، أن تبقي قلبك صالحاً نقياً قادراً على العطاء دون مقابل بعد تلقيك كل تلك الصدمات وصمودك أمام كل تلك الهزائم وكأنك للتو فقط نزلت على هذا الكوكب!! هؤلاء الأشخاص بلا شك مصفوفة عقيمة ما زالت عاجزة عن الخروج من دائرة سوء الفهم التي تفترض أنَّ العطاء هو التخلي عن شيء هو الحرمان هو  التضحية هؤلاء الناس لا يرون في العطاء معنى أن أعيش قوتي.. أعيش.. وفرتي.. أعيش قدرتي وهذه المعيشة للحيوية القصوى والإمكانية القصوى تملأني فرحاً وتهبني أكثر من حياة!!

إنَّ لذة أن أعيش نفسي كشخص يفيض وينفق ويحيا لذة مولدة لشيء حقيقي داخل ذواتنا  ..فنحن في عالمنا الصغير الكبير حين نعطي من وقتنا من شغفنا من فهمنا من علمنا من مرحنا من حزننا من كل التعابير والتجليات من ذلك الشيء الحي الذي يملأنا نعزز بشكل غير مباشر شعور الآخر المتلقي بالحياة أنك تحمل جانبك الحي على كفك تشعل به حياة شخص آخر ليس لشيء سواء لأنك مُتقد بالحب والحياة.

إنك في موقف العطاء هذا لا تُضحي بنفسك من أجل الآخر بل تمنح نفسك تجربة شعورية رفيعة المقام تبث في روحك الحياة وفي عالمك طابع الإنسانية الأصيل.

تعليق عبر الفيس بوك