قمم الخلافات والمصالحات

 

 

◄ اقتناع القيادة السياسية للمملكة العربية السعودية بطي ملف القطيعة مع دولة قطر يمثل خطوة مهمة للتصالح مع الذات ومع المحيط الخليجي

 

علي بن سالم كفيتان

alikafetan@gmail.com

لا شكَّ أنَّ المواطن الخليجي سعيد اليوم بعودة اللحمة الخليجية، بعد أن استطاعت المملكة العربية السعودية ودولة قطر تجاوز الخلاف الذي نشب بينهما منذ قرابة الثلاث سنوات، ترتبت عليه قطيعة قاسية بين الدولتين بالدرجة الأولى، ودخلت فيه بالتضامن كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، وجمهورية مصر العربية؛ حيث قاومتْ من خلاله دولة قطر هذه العزلة الجغرافية، مستندةً إلى قوتها الاقتصادية وتأثيرها السياسي المتنامي في المنطقة، عبر توظيف قوتها الناعمة وقدرتها على كسب موقف دولة الكويت وسلطنة عُمان، وتضامنهما معها أثناء فترة القطيعة، إضافة لتوظيف التعاطف الإسلامي من خلال بوابة تركيا التي يُنظر لها كدولة ناجحة في محيط واسع من الدول الفاشلة في منطقة الشرق الأوسط، وكل ذلك ساند قطر وساعدها على امتصاص الصدمة وتحقيق مكاسب سياسية بارزة.

... إنَّ اقتناع القيادة السياسية للمملكة العربية السعودية بطيِّ ملف القطيعة مع دولة قطر يُمثل خطوة مهمة للتصالح مع الذات ومع المحيط الخليجي؛ فقد جربت المملكة خوض مواجهات سياسية مع جمهورية إيران الإسلامية وعسكرية مع اليمن دون الحصول على غطاء خليجي موحد حيال تلك الملفات في ظل عدم قدرة جمهورية مصر العربية على تأمين البديل، فقد أثبتت التجارب أن الملفات التي نجحت فيها دول مجلس التعاون حدثت في ظل المواقف السياسية الموحدة، لذلك يبدو أن المملكة قرأت الموقف بشكل صحيح حتى ولو جاء ذلك متأخراً؛ لذلك بادرت منفرةً بفك القطيعة عبر فتح جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية مع دولة قطر؛ حيث إن الدول الثلاث المتضامنة معها لم تعلن موقفها من قطع العلاقات وإغلاق الحدود، إضافة لتخفيضها مستوى التمثيل السياسي في القمة؛ مما يُدلل على وجود تباين في وجهات النظر حيال هذا الملف.

لقد توقع الكثير من المحللين حضور حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- للقمة، خاصة وأنها الأولى بعد توليه مقاليد الحكم في السلطنة، وتأتي في ظل توافق سياسي جديد بين دول المجلس، لكن يبدو أنَّ هناك رؤية عُمانية تجاه انهاك المسيرة الخليجية بخلافات متكررة لم يكن لها داعٍ؛ حيث أصبحت القمم هدفها الأساسي هو حل خلافات مصطنعة لا دخل لشعوب المنطقة بها؛ بل أصبحت تستنفد روح اللحمة المشتركة التي تمثل المُنجز الأهم لهذا الكيان السياسي منذ قرابة الأربعين عاماً. وربما تنظر السلطنة إلى أنَّ المصالحة لم تصل لمستوى النضج السياسي المطلوب في ظل أهمية الإبقاء على موقف ثابت من التعاطي مع جمهورية إيران الإسلامية وحل مشكلة اليمن، فعُمان ربما ترى أنَّ هذه القمم يجب أن تحل مشاكل المنطقة، وألا تكون قممًا لبناء الخلافات وتبني المصالحات فقط. ورغم أن مستوى التمثيل السياسي للسلطنة في قمم مجلس التعاون لم يتغير منذ سنوات طويلة، لذلك يدرك الأخوة في الخليج مدى ثبات الموقف العُماني وعقلانيته، وأنه لا يرتبط مطلقاً بمستوى التمثيل السياسي للقمم في ظل الالتزام التام بجميع ما يتم الاتفاق عليه من توصيات.

لا شك أن هذا القمة تمثل نجاحاً بارزاً للدبلوماسية الكويتية التي قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، بعد نشوب الخلاف الخليجي الأخير، واستمرار خلفه في ذات السياق حتى نجاحها اليوم؛ لذلك مُنحت الكويت الحق الحصري لإعلان الاتفاق منذ عدة أسابيع وتأكيده قبل ليلة من انعقاد القمة رغم ما يعرفه الجميع عن الدور الأمريكي الداعم للمصالحة بهدف؛ ممارسة المزيد من الضغوط على جمهورية إيران الإسلامية التي تتمتع بعلاقات شبه ثابتة مع ثلاث دول خليجية، واغتنامها هذا الخلاف حسب المنظور الأمريكي للذهاب بعيدا في مشروعها النووي والباليستي، وزيادة رقعة تدخلاتها في دول الجوار العربي، وتشكيلها تهديدا مباشراً لشعوبها عبر دعم كيانات مناوئة وفرض هيمنتها في دول المشرق العربي، وهنا تتقاطع المصالح الأمريكية وحلفائها العرب والكيان الصهيوني للقيام بعمل موحد ضد جمهورية إيران الإسلامية، ولن يتأتى ذلك إلا بتوحيد الرؤى السياسية لدول الخليج العربي.