رؤى متناقضة

 

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

Radhiyaalhabsi@gmail.com

في إطار سعي الحكومة لرفع كفاءة الإنفاق الحكوميّ والاستدامة المالية، وتطبيق منظومة الحماية الاجتماعية، ضمن مبادرات خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2021-2024)، والمتمثلة في مبادرة إعادة توجيه الدعم الحكومي لقطاعي الكهرباء والمياه، واعتماد صرف العلاوة الدورية السنوية للموظفين بالدولة لعام 2021م، لاقت تلك الإجراءات ردود فعل مجتمعية متباينة، فظهرت معها رؤى فردية متناقضة.

وهنا.. نتساءل مُتأملين: أأصبحت القيم تتذبذب وتتأرجح بحسب الظروف والمعطيات؟ إن كان كذلك، فالموازين تستغيث، وبحاجة إلى ترجيح كفة القيم على الأنا والمصالح الشخصية. ألسنا نحن أنفسنا من ظل يُطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد -إنْ وجد- ظاهرًا ومن خلف الستار؟ إذن فَلِمَ تتبدل قيمنا، حينما قاربت أحلامنا تسطعُ، وترى للنور طريقًا! ففي حقيقة الأمر قيمنا هي من تحتاج إلى إعادة توجيه التوازن جنبا إلى جنب مع التوازن المالي.

أكتبُ مَقالي هذا، وأنا -والعياذ بالله من كلمة أنا- لستُ من ذوي الدخل المرتفع -والحمد لله- ولكن النظرة العقلانية للأمور، تفرضُ نفسها. فالوطن يمرُّ بظروفٍ استثنائية مالية واقتصادية، وهو في ذلك ليس بمنأى عن العالم كافة. والحياة بطبيعتها تقلبات، صعودًا ونزولًا، بين استقرار وتهديدات، منها: الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، أو السياسية. إلا أنَّ الحقيقة التي لا خلاف عليها: أن مستقبل الأجيال يُحتم على قادة البلاد التعامل مع الأزمة بحكمة، مع تغيُّر الأوضاع، وتبدل الأحوال. فالحكمة الرشيدة تُفرض عليهم، التعاطي مع الواقع، وفحص الحاضر؛ للأخذ بزمام الأمور إلى دفة المستقبل المأمول، برغم قوة التحديات، وشدة المقاومات.

بطبيعة الحال، الذي لا مناص منه، تأَثرُ كافة القطاعات والأطراف بأي أزمة كانت، بما فيها الأزمات المالية، وإن لم تكن أخطرها على البشر. والتأثير قد يكون أضعافًا على الأقل دخلًا وقدرةً على تنويع الدخل، أو تأسيس مصدرًا. إذ يُمثلُ هؤلاء الحلقة الأضعف بين طبقات المجتمع. ولكن، هل يستحق منا الوطن التخلي عنه، في حين لم يبخل علينا بخيراته في ظروف التمكن؟ فإن لم تكن نظرتنا أوسع عما هي عليه أطراف أبصارنا، فليكن مستقبل أبنائنا محركًا للتكاتف والتشارك في استيعاب الأوضاع الراهنة. فلا يتوجب علينا تقزيم أدوارنا الحقيقية كمواطنين، أو إنكار جهود الحكومة في التطوير، أو التشكيك في جودة قراراتها، أو صدق تعاطيها مع الأزمة المالية الحالية؛ فالأمر يتطلَّب مزيدًا من الثقة والصبر والتفاؤل، والتأنِّي في ردود الأفعال تجاه كثير من القرارات، التي نرى في ظاهرها أنها تعسفية، أو غير منطقية، أو غير عادلة.

ختامًا.. كُلنا مسؤولون، والمسؤولية لا تقف عند حد الفُرجة والتطبيل أو الاستسلام. ولا التهكم والتراشق بالألفاظ أو الاتهام. فالمسؤولية تستدعي تقييم السلوك وتطوير المهارات، وترتيب الأولويات، وتغيير كثير من العادات. كما تتطلب المواطنة ترجمة الشعور وتجسيد الشعارات؛ لأجل مستقبل أرْقى، لعُمان الأغلى. وإنْ فنيت الشعوب، أو تعاقبت الحكومات، فالأرض ستبقى. فكما نُريدها أنْ تكون، فليكنْ صدق العمل؛ لتخطي ما نراه عصيبًا، أو تقشفًا.

تعليق عبر الفيس بوك