أهي قضيَّة أزلية؟

د. رضية بنت سليمان الحبسية

Radhiyaalhabsi@gmail.com

ترددتُ كثيرًا قبل كتابة هذه المقالة، وانسحب ذلك على اختياري لعنوانها، ليس لاعتبارات تتعلق بالقدرات أو القناعات، بل لعلمي الخاص بأنّ الكثيرين ممن تناولوا الموضوع بالبحث والكتابة، وقد يكون أُشبع حديثًا وطرحًا. ولكن المسؤولية الوطنية، أبت إلا أن تقول كلمتها، فخطت يداي هذه السطور للتعبير عن هذه القضية، والتي يُخال إليّ أنها قد تصبح أزلية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، لا على المستوى المحلي، بل تجاوزت الحدود العالمية. ولكن كما يُقال: كلٌّ يشعرُ بمصيبته، فلا يدرك حصار شباكها سوى الغارق في بحرها، فغدت قضية محورية، قديمة حديثة، ومستقبلية.

يتعاطفُ البشرُ غالبًا مع القضايا الإنسانية والمجتمعية؛ كونها تشكل نسيجًا بشريًّا ومنعطفًا وطنيًا في آنٍ واحدٍ. فلا يستطيع المرء الصادق الأمين الانسلاخ من أبناء جلدته وعشيرته حينما تسلم ناقته. هذه هي حال كثير من المواطنين حينما تفاقمت مشكلة الباحثين عن عمل؛ فلا يكاد مجلسًا ولا لقاءً، واقعيّا او افتراضيًا إلا وكانت هذه القضية تتصدر تلك اللقاءات، وما يكتنفها من مآسٍ وآثار نفسية واجتماعية واقتصادية على الباحث عن عمل ذاته، أسرته، ومن حوله. وفي واقع الأمر تفاوت الناس في التجاوب مع هذه القضية بدرجة قربهم من تلك الفئة دمًا، صهرًا، أو مجتمعيًا. إلى أن قاب قوسين أو أدنى ليكون أحد أفراد أسرة الواحد منهم قد انضم إلى أولئك المغلوب على أمرهم، فيخيّم عليهم كابوس كان يومًا بعيدًا عنهم.

حقيقةٌ نقولها ونُعبّر بها عن مآسٍ حقيقيّة وعميقة، من واقع حياة باحثين عن عمل؛ حيث تمرُّ بهم الأيام والشهور والسنون، ليبلغ الواحد منهم سن الثلاثين سنةً، وأحلامهم مؤجلة إلى غير موعد، ليلهم كنهارهم، صبحهم كعشيتهم. متهافتون، متسابقون خلف إعلانات لوظائف شحيحة، لمنافسين بأعداد كبيرة، ولدفعات متراكمة.  فبرغم بصيص أمل، بإعلان يتيم بين فترة وأخرى متباعدة، إلَّا أن ذلك الأمل يتبخّر بعد شهور لأسباب وعوامل مجهولة، قد يكون بعضها كما يُرسم لهم منطقية، وبعضها يا للأسف وهمية.

فإنْ كنا قضينا أزمانًا، نبثُّ في أبنائنا حب الوطن، وبذل الجهود للعمل والمساهمة في بنائه وتقدمه، فتتكون فيهم بذرة الوطنية والمواطنة منذ نعومة أظافرهم، فتنشأ أجيال لا تقبل المساومة بالوفاء والإخلاص لتربة تربّوا عليها، مقابل مغريات وحفنة من المال في عوالم أخرى خارجية.  فهناك ممن واصل طموحه بين كنف والديه وعائلته، ومنهم من اغترب وتجرّع وأسرته مرارة الغربة سنين، واحتسوا ألم الفراق شهورًا، واعتصر قلوبهم الحنين لياليا، تحفها دعوات والدين، على تباين ظروفهم وأحوالهم بين قلق وأمل، في مستقبل أجمل، لتنتهي بانهيار آمال دفعات متعاقبة، وتسلل يأس إلى نفوس دفعات لاحقة، جرّاء تراكم إحصائيات الباحثين عن عمل، ذكورًا وإناثًا، من عُمان شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا.

فلكل من له علاقة بالقضية تساؤلات حتميّة: هل نحن فعلًا باتجاه قضيّة أزلية؟ أم نحن أمام أزمة تخطيطية؟ فهل يُعقل أن نعود بأدراجنا إلى ما قبل سبعينيات القرن المنصرم، حيث تناثرت سواعد العُمانيين يمنة ويسرة في بقاع العالم مُهاجرين، وما تلتها من آثار اجتماعية، وحالات صحية. ناهيك عن انقطاع أواصر المحبين والمقربين أميالًا، جبالًا، وبحارًا منفصلين؟ وعليه، يجب الاعتراف بأنها قضية تستحق النقاشات والحوارات، مادامت المعالجات طيّ الوعود والمخططات.

ولمتخذي القرار على كافة الأصعدة: إنّ قضية الباحثين عن عمل، قضية مُلحة؛ لما لها من تبعات مستقبلية مجتمعية، اقتصادية، وسياسية، مما يمكن تصنيفها بأنها خطرة وحرجة، لذا نتساءل مجددًا: أما آن الأوان للانطلاق بحلول جذرية؟ لمعالجة قضية قد طالت وأرهقت أصحابها صبرًا، وطموحًا في غدٍ أفضل؟ إنّ الأمل يحذو الباحثين عن عمل في تطبيق سياسة إعادة هيكلة المؤسسات المرتبطة بالعمل والتوظيف، والأرشقة الإدارية، وقد تعمق الأمل في ذواتهم بإصلاحات حكومية واقعية. وبلا شك فإنّ التطلعات بألا تطول السنين للمعالجات المنشودة حاضرة، ليكلا تنتج عنها آثارًا غير محمودة. فيصعب التعامل معها لأجيال قادمة، كانعكاسات لإخفاقات سنوات سابقة. ولكل من له بقضية كل عُماني علاقة، نقول: أبناؤكم أمانة، وكلكم مسؤولون. مصداقًا لقول رسولنا الكريم ﷺ. فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). [متفق عليه].

تعليق عبر الفيس بوك