سلالةٌ جديدةٌ

أنيسة الهوتية

كان الحادي والعشرين من ديسمبر يوماً عاديًا بالنسبة لي والساعة الثانية ظُهراً وقت العمل باسترخاء مع فُنجاني وقهوتي السمراء العربية الجميلة؛ بملامحها ورائحتها التي سحرت الكثيرين وأصبحوا عُشاقاً لها، وتميزها بمذاقها المُر الذي لطالما كان ألذَّ من حلاوة قِطعِ السُكر الأبيض!

وعِند إعلان غلق المنافذ العُمانية فجأة، سَقَطت في قعر ذلك الفنجان وتحولت تلك السمراء إلى زوبعة مجنونة، وبحمدالله ورحمته لم تستطع أن تبتلعني ولكنها أرهقتني كثيراً وأنا أركض منها يُمنة ويُسرى، وللأسف الشديد كل ذلك الركض الذهني لم يُساعد برنامجي المستهدف لقانون الـ"بي أم آي" فالمعارك الذهنية تبقى ذهنية وإن استنزفت طاقاتنا البدنية.

ومَعَ نزول المساء، شَرِبتُ الزوبعة تلك رشفةً واحدة، وخرجتُ من قعر الفُنجان مُنتصرةً، وذهبت إلى "شريشتي" أتنفس القليل من الأكسجين البارد تحت أوراقها وأحتفل بالنصر معها، وآخذ استراحة مُحاربٍ في أحضانِ أغصانها الآمنة، وكذلك أُعيدُ برمجتي الذهنية من جديد لنيل قِسطٍ من السعادة الروحية الخضراء بالتحدث معها بصمت عن يومي الذي كانَ عاقلاً وأصبحَ مَجنوناً فجأة بسبب الحالة الطارئة التي تمَّ الإعلان عنها وقايةً من سلالة كوفيد19 الجديدة، والذي على ما يبدو أنه أنشط في التناسل من البشر ولا ينوي مُغادرة الأرض إلا بعد إنقراضهم! والذي يقهرني في نسله أنني أستطيع أن أرى جمالياتهم فالأجدد منهم أذكى من سابقيه بعشرات ملايين السنين الضوئية، وكأنه مخلوقٌ فضائي مصغر مجهرياً، وكأننا في حالة غزو فضائي من أفلام الخيال العلمي من فضائيين بأحجامَ مِجهرية يمتلكون عقولاً خيالية وذكاءً خارقاً، وإن كانت أعمارهم قصيرة إلا أنَّ تكاثرهم ووراثتهم للصفات الجينية وتطويرها للأفضل هو الخطر الأعظم على البشر وإن كان من صنع أيديهم!

وبينما "سوالفنا" ماشية أنا و"شريشتي" فجأة سمعت صوتاً مُزعجاً لم أسمعه منذ زمنٍ طويل، يقول: ماذا تفعلين هُنا يا أنيسة؟ نظرت إلى مصدر الصوت وإذا بها الجدة زليخة التي نلقبها "شدري"، فرددت عليها: ماذا تفعلين أنتِ هُنا يا شدري؟ سألتها السؤال رداً على سؤالها رغم علمي بأنَّها تحب أن تدور في مُحيط عائلتنا، ولا ترتاح إلا بتواجدها بيننا! فقالت: كُنتُ في "سَلالة" وأتيت إلى "مسكت" فقد كنت أسمع أحاديث عن كورونا جديدة في "سَلالة" ولذا قررت تركها لها! و"سَلالة" تقصد بها صلالة! فأخبرتها: سُلالة يا شدري، وليس سَلالة. فقالت: سَلالة يعني سلات؟ يعني كورونا تأتي الآن "مضبوبة" في سِلال؟ فأخبرتها: لا، بل سُلالة بضم السين بمعنى نسل وذرية جديدة لكورونا ولكنها ليست في صلالة إنما تمَّ اكتشافها في أماكن أخرى من العالم لأجل ذلك أغلقوا المنافذ اليوم حتى لا تتسرب إلينا!

فصمتت صمتاً غريباً وبدأت تنظر إليَّ ثم إلى بيتي، فسألتها: أتنوين شيئاً يا شدري؟ قالت: نوافذ بيتك مفتوحة؟ أخبرتها: للتهوية! قالت: أنتِ قلتِ أغلقوا المنافذ حتى لا يتسرب كورونا؟ فضحكتُ من خاطري وأوضحت لها: المنافذ الحدودية للدخول والخروج من الدولة، وليس نوافذ بيتي!! فقالت: وهل كورونا تحتاج طيارة أو سيارة للتنقل؟! فقلت لها: نعم، عبر استخدام جسم بشري طبعًا. فابتسمتْ وقالت: كورونا جني صغير، وعقله كبير! أخبرتها: صحيح، لا يختلف عن الجِن بتصرفاته. قالت بحماس: كيف تصرفاته؟ قُلتُ: كورونا (كوفيد19) ينتقل بالتلامس، أما (كوفيد20) فينتقل بالتنفس إذا مررت بمصاب على بعد مترين دون لمسه. قالت بشغف: جميييل، و(كوفيد21) سيكون جيلاً أذكى سينتقل بمجرد النظر إلى مصاب أو العكس، أما (كوفيد22) فسينتقل ذهنياً بمجرد أن تفكر بالشخص.

ولِوَهلة فَكرت بأن "شدري" مُشاركة في المؤامرة مع كورونا ضِد البشرية!