الهوية الثقافية وتحديات النهضة (2- 2)

 

سعيد بن أسلم الشحري

كان الحديث مشوباً بالكثير من القلق ومستدعياً للذاكرة وطارحاً هامشاً من السجال التاريخي والثقافي عندما ناقشنا تحديات الهوية الثقافية وهي تتقدم بخطوة واثقة نحو المُستقبل وعينها ترى من بعيد آمالاً يمكن الرهان عليها وبواعث للخوف لا يُمكن القفز فوق مبرراتها.

بل قلنا إنَّ العولمة الغربية والحلم الأمريكي المتمثل في التشدق بقيم المساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لم يكن سوى جنة موعودة تخفي في داخلها لهيب الهيمنة والتبشير بنظام عالمي الكلمة فيه لنفوذ المال وقوة السلاح وينكفئ آخرون تخلوا عن أدوارهم الوطنية وركنوا إلى أهوائهم الذاتية حتى فقدوا قدرتهم المعنوية على التنافس، وظلت الهويات الثقافية تناضل في الميدان وحدها بعد أن عجزت السياسية عن لعب دورها الناعم في المحافظة على التوازن بين حقوق جرى التعدي عليها باسم الديمقراطية وبين قوى فقدت السيطرة على أطماعها فحولت الجغرافيا لمصالح مستباحة وصوت العقل لإرهاب يُحارب تعاليمهم المُضللة، كما صارت التوازنات الدولية الفاعلة كالتلميذ والأستاذ يقبل أحياناً ما يرفضه دون إبداء اعتراض ويصبح الصمت في هذه الحالة أقوى سلاح للبقاء .

والحق أنَّ التحدي الآخر للهوية هو التحولات الثقافية والاجتماعية وهو مشهد يختزل فيه حراك متنوع في اتجاهاته ورؤاه ومختلف في المشارب والمرجعيات الفكرية التي ينطلق منها كما أنَّ المجتمعات في ذلك أحوال شتى. فالمجتمعات التي تمر بمخاض حضاري من الركود إلى التقدم فغالب التحولات فيها ذات بنية اجتماعية ثقافية، فالنظام العشائري يجمع بين الانتماء للقبيلة بكل ما تحمله من قيم وأولويات للمحافظة على وجودها وبين الولاء للدولة وما تفرضه من نظم وسياسات لترسيخ مفهوم المواطنة المجتمعية بعيدًا عن مزاحمة ولاءات القبيلة  المذهب والعرق والدين، كما تبرز فيه أيضاً أشكال من الصراع بين من يدعو إلى الانفتاح على الآخر ومن يراه غواية شيطانية ضالة بل قد ترى فيه حالة من الاستقرار عقب رحلة بحث عن استقرار مهني ومستقبل يبشر بفرص قادمة وقد تجد هذه الفئة من المجتمعات مصحوبة بنزعة ذاتية نفعية أو السعي للحصول على استحقاقات فئوية أو أيدولوجية أو قل إن شئت نمط اجتماعي ذو صبغة أبوية ريعية في الانتفاع وكافر بكل ابتداع في نظره يدعو لإعمال العقل فيما كان وما يجب أن يكون.

أما المجتمعات الصناعية أو التي قطعت شوطاً حضارياً ممتداً فبنيتها بنية نقدية، كرست الانفتاح السياسي للدفاع عن الحقوق والحريات وأوجدت حلولا لتحديات الاقتصاد وبناء مجتمع يعتنق الفكر العلمي ويُؤمن بنظرية الأنا مع الكل وليس تطويع الكل لخدمة أنانية جهوية.

تعليق عبر الفيس بوك